حاورته الكاتبة والصحفية سريعة سليم حديد
من بلد اليمن السعيد, من مدينة إب, ترتسم معالم الشخصية الإبداعية للأديب الدكتور فوزي علي علي صويلح وسط التأهيل العلمي: دكتورا في البلاغة والأسلوبية جامعة صنعاء, وماجستير في البلاغة والأسلوبية, ودبلوم كلية الآداب وبكالوريوس تربية. فليس غريباً هذا التأجج الفكري أن ينتج قامة إبداعية واسماً لمعت حروفه شكلاً ومعنى ليفوز بالمركز الأول في جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم, الدورة الأربعون 2023 في مجال النقد الأدبي عن بحثه الموسوم بـ"سردية النبوة في الخبر التاريخي، مقاربة سيميائية في خبر أم معبد " لذلك كان لن معه هذه الوقفة الحوارية نستوضح من خلالها بعض معالم ذلك الطريق الخصب بأزاهيره وعبق نجاحه.
1ــ من المهم أن نجد بحثا فائزاً في مجال النقد الأدبي, فما هي دواعي اختيارك لعنوان بحثك "سردية النبوة في الخبر التاريخي، مقاربة سيميائية في خبر أم معبد " ؟
ــ المتابع لحركة النقد العربي يجد رغبة ملحة وحركة لاهثة في متابعة النشاط النقدي ومقاربة الخطاب الأدبي وغير الأدبي بأشكاله المختلفة، ومناهجه المتعددة، على نحو يعكس التواصل الفعال والانفتاح البناء على كل المناهج النقدية، ولا شك أن الحركة بطيئة في هذا المسار؛ لكن النقد يملأ الأفق، والفاعلية في الإنتاج حاضرة. وبناءً عليه كان اختياري لعنوان هذا البحث، على سبيل الإسهام في تعزيز حركة البحث العلمي في الخليج العربي وإثراء المكتبة العربية بشكل عام، كما أن الرغبة ناشئة عن حب ورغبة في تثوير هذا البعد التاريخي في الخطاب التراثي، وخاصة ما يتعلق بسردية النبوة التي حملها خبر أم معبد مع النبي صلى الله عليه وسلم في خيمتها العربية الأصيلة .
2ــ لطريق بحثك معالم واضحة قد انتهجتها بالتأكيد, فما هي الإشارات البراقة التي استوقفتك ملياً في سيرورة ذلك الطريق؟
ــ يكتسب البحث أهميته من المدونة والمنهج، إذ يأخذنا في مسار الحدث السردي للمضي نحو اكتشاف أسرار البنية العميقة لخبر أم معبد، وخصائص المستوى السطحي للعملية التواصلية بين ثنائية ( الذات ) و الآخر) أو ( النبي) و( المرأة العربية)، ذلك أن ما يضمر الخطاب من فضائل الدين والقيم الإنسانية في هذا الخبر، وما يتصل بمخطط النص حول مقولة النبوة، وفكرة الصراع الناشئ بين ( الإسلام ) و( الكفر) يعكس شروط الواقع وبنيته الاجتماعية التي فرضت أسبابها على النبي محمد صلى الله عليه وسلم للخروج من مكة إلى يثرب لحماية الهوية الإسلامية من السطوة الوثنية في المجتمع القرشي. الأمر الذي يجعلنا أمام مادة سردية، لها عواملها السردية، وفواعلها السيميائية المضمرة التي ظفر بها النص لإنتاج هذه المادة الخبرية من المطلع حتى الخاتمة.
4ــ أية نقاط وجدتها في تلك السردية, كانت برأيك لافته, وقد أضافت إلى مجال البحث النقدي مقولات جديدة؟
ــ النقطة التي ألفيتها في غاية الأهمية أن الخبر التا ريخي ومنه خبر أم معبد يعد من أهم الأشكال البلاغية الوجيزة في التراث العربي التي حملت هم الإنسان وقضايا المجتمع العربي في العصور القديمة، كما أنها تحولت من أخبار تاريخية إلى خطابات أدبية، لها قوامها البلاغي والأسلوبي، ومنه اكتسبت الأخبار بعدًا ثقافيًا مهيمنًا على طابعها السردي، بما حملت من القضايا الثقافية والحضارية ، وما حفلت به من تحقيق مقاصد المتكلمين، وما توافر لها من بلاغة القول، وما اجتمعت عليه، وما تناصرت له من تلبية حاجة المستمعين في مقاماتها التي حفظتها ذاكرة الرواة والمتخاطبين، وتناقلتها العرب شفاهيًا، حتى استحالت نصوصًا وخطابات مدونة في المخطوطات.
5ــ إلى أي شيء تحتاجه عربة النقد كي تنطلق كما يجب, في زمن أصبحت فيه المسالك النقدية وعرة جداً؟
ــ هي بحاجة للتشجيع، وتوسيع دائرة الاهتمام بمثل هذه الحوافز في الوسائط الثقافية العربية، كما فعلت جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم التي أقدم لها جزيل شكري وامتناني.
يضاف إلى ذلك فإن على الباحثين العرب الشعور بالمسؤولية تجاه البحث العلمي، ومعالجة القضايا المعاصرة، والاقتراب من الخطابات ومقاربتها والسفر بين القديم والحديث لرصد التلاقي و التقاطع بين المناهج النقدية الحديثة من خلال مقاربة الذخائر النفيسة وخزائن المدونات في التراث البلاغي والنقدي عند العرب، والحقول اللغوية الأخرى، وكذلك على المبدعين تسويق إنتاجهم الإبداعي في الشعر والرواية والمسرح والقصص وغيرها وتسييقها بما يخدم المعرفة، ويزيد من بهجة الحياة الإبداعية في المنطقة العربية.
6ــ الساحة الأدبية النقدية أخذت جانباً هامة عند الكثيرين من المتابعين المثقفين, فبمن تأثرت من أولئك النقاد الذين كانت لهم بصمتهم البراقة على جدار الأدب؟
ــ إن المعرفة تراكمية، ليست قائمة على التقليد، والمحاكاة باستمرار، وإنما تتشكل الصورة بتراكم وتزيد مساحتها مع القراءة للبلاغيين والنقاد الكبار، قديمًا وحديثًا، لكن أبرز ما يمكن الاستشهاد به يتركز على أعلام لا يمكن تجاوزهم في التراث البلاغي و النقدي عند العرب ومنهم الجاحظ وعبد القاهر الجرجاني وحازم القرطاجني فهم الذين أقاموا صروح البلاغة وشيدوا بنيانها مع تقديرنا للأعلام الآخرين، ومن المعاصرين أمين الخولي وأحمد الشايب ومحمد العمري ومحمد عبد المطلب ومحمد محمد أبو موسى، وطائفة كثيرة من الراسخين في هذا العلم.
كذلك ينبغي اقتناص الأفكار من رحم الكتب، وعقول الأساتذة والباحثين وتحويلها إلى مقاربات، بما يخدم المعرفة والعلم، وإنفاق الجهد بسخاء في سبيل ذلك.
7ــ لك دراسة بحثية بعنوان: "بلاغة الصورة البصرية في ديوان أغاريد وأناشيد للبراءة للشاعر إبراهيم أبو طالب, الدراسة منشورة في مجلة الآداب للدراسات الأدبية واللغوية" في جامعة ذمار,فما أردت أن تصل إليه باختصار من خلال ذلك البحث؟
ــ هذا البحث وغيره من الاهتمامات البصرية التي تقاربت في ذهني في ضوء المنهج السيميائي لها زاوية حب وشغف في نفسي وأقصد أدب الأطفال والخط العربي.
يحمل هذا البحث هم الطفل، وما يتنازعه من أبجديات الفهم والتشويق، والتخييل والإقناع في سياق الإعداد النفسي والاكتساب المعرفي لمواجهة أسراب الهموم ومشاكل الحياة المختلفة. وفي ذلك اختصاص لما هو عامر في صدور النشء من قابلية التفاعل والاستجابة لمواصفات الإبداع وشروط الإيجابية. لهذا السبب سلك البحث طريقًا واضحًا نحو المدونات الأدبية لاقتناص شيء من مادتها الفنية، الموجهة للأطفال، مما له أثر في إغراء العين، والإقناع بالفكرة على مستوى الوعي والممارسة.
بهذا المعطى؛ ألفينا الصورة البصرية المقترنة بديوان ( أغاريد وأناشيد للبراءة) للشاعر إبراهيم أبو طالب على نحو قدير من الاشتغال والتمثيل، إذ توافرت لها من الأسباب المنهجية والمعرفية والفنية ما يجعلها جديرة بهذا الاستحقاق؛ طبقًا للشروط الإبداعية، وقدرتها على إثارة التخييل والتداول في نفوس الأطفال وعقولهم.. ومرد هذه الفكرة - التي يستمد منها البحث أهميته وأهدافه-إلى التجربة في الحياة العملية، والقراءة المتأنية لطبيعة مرحلة الطفولة، إذ خلقت انطباعًا لدى الباحث بإشكالية البحث، ومبعثها أن الطفل في هذه المرحلة غير واعٍ بالنصوص الشعرية المكتوبة لطولها أو لصعوبة فهمها. ومن ثمَّ؛ لا يدرك فاعليتها ولا يفهم معانيها مالم تدعمها مثيرات حسية تحفز باصرته أو ترسخ في عقله مضامين ما يتلقاه من موضوعاتها.
إرسال تعليق