"بيت الشعر بالشارقة" يحتفي باللغة العربية بأمسية شعرية عربية



عمان - عمر أبو الهيجاء

ضمن فعاليات منتدى الثلاثاء واحتفالاً باليوم العالمي للغة العربية نظم "بيت الشعر" بدائرة الثقافة بالشارقة أمسية شعرية مساء يوم أمس،  شارك فيها الشعراء:  د. أحمد حبيب آل غريب  "الإمارات" عمر عناز "العراق"  د. أحمد بلبولة "مصر" وهيفاء الجبري "السعودية"، بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير البيت وحشد كبير من الشعراء والأدباء ورواد البيت محبي الشعر. 

قدم الأمسية الإعلامي السوداني عبداللطيف محجوب، الذي بين أن اللغة الغربية بآفاقها الرحبة وتكويناتها الجمالية لا يتجاوزها الزمن، لتظل اللغة الأكثر تداولاً، فهي تتمتع بخائص الفصاحة والبلاغة وتستوعب في الوقت نفسه كل جديد، فهي الدر الكامن في عمر الزمن بما تمتلكه من طاقة هائلة تبعث على التخيل، إذ تزداد فعالياتها بآفاقها الواسعة في التصوير واستخدام أدوات المجاز، فالضاد لغة القرآن الكريم، وتتجلى معالمها الرحيبة في الشعر العربي القديم والحديث، فنبتت الحكمة في حدائقها الغناء، وأضحت أقوالها المأثورة صياغات محكمة ضمن هياكلها التعبيرية، مثمناً دور الشارقة في الحفاظ على دورها الفارق في الاحتفاء بها، ومشيداً بمبادرات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، التي تبرز جمالياتها وقيمتها على مدى الأزمان. 

وقد جرت وقائع الأمسية في أجواء لغة الضاد بمراياها المضيئة، فكانت اللغة العربية النابضة هي محور النصوص الشعرية التي أبرزت مكانتها الرفيعة كونها أصل ثابت من أصول الهوية في الحياة العربية، فشكل الشعراء لوحات ناطقة بالخيال بما نهلوه من ثرواتها العامرة بالجمال، فعبروا ببلاغة عن مقامها الرفيع وسط جميع اللغات الحية في العالم، فتفاعل معهم الجمهور ومع صيغهم اللافتة وتراكيبهم الدالة على عظمتها، فهي دائماً قادرة على استصفاء المبدعين بآفاقها الواسعة التي تدعو الشعراء للابتكار واختيار المعاني البلاغية الملتحمة بالحواس بما يجعل كلماتها تضئ على بساط الحكمة.

ابتدأ الشاعر د. أحمد حبيب آل غريب الأمسية الشعرية بقراءة  قصيدة حملت عنوان "الإمارات" التي يذكر فيها مآثرها، ويسكب فيها عن حب المعاني البراقة، وهو يرتاد آفاق الخيال، ويبلور المعنى بجمال وعذوبة فيقول:

بُــشــرى ربابــتِـكَ التـي غَـيّــبـْـتَها

عَـرَضَتْ، وأوْدقَـها الحنينُ فُـراتَـهـا

وسـمِعـتَ أخلَصَ جـيـنَةٍ خُـلقـتْ بكم

 تتــلو لهـا أورادَهـا وصلاتَـها

في بَـوْحِها الإنْعامُ ساكبُ ذاتِـهِ

وشرِبْـتَ منـــهُ مَـدائحـا أدمَـنـتَهـا".

وقرأ نصاً آخر حمل عنوان "سجالي والقصيد" المشبع بجمال الأمنيات، والذي يفيض تفاؤلاً وبشراً، حيث توهجت فيه كلمات الشاعر لتجسد هذا البوح الصافي، فيقول:

"أمضي وأكْــتُبُ لِلأمـاني صانِعًـا

للنّاسِ حَـبْـلَ تفاؤلٍ كَيْ يَرْتَـقـوا

ونَسَـجْـتُ أسْـتارَ العَواطِفِ وَشْـيُها

نَـبْــضُ القُـلوبِ بأنْمُـلٍ لا تُخْفِـقُ

ناداك صوتي ريثمــا أصْغـى الْهَـوى

 لِحَديثِيَ الْمُـنْساب وَهْـوَ مُتَـوَّقُ".

وافتتح الشاعر د. أحمد بلبولة قراءاته الشعرية بنص حمل عنوان " رسائل غيلان" الذي يحمل رؤية مستحدثة يستفيض من خلاله الشاعر في استعراض بوحه الجمالي على صفحة الحياة برصانة أسلوبية، ومن ثم المحافظة أيضاً على بدائع اللغة العربية عبر أسوار الصورة الشعرية الفائقة، فيقول:

"بلَغتَ من عمرك الخمسين تزجرها

في الشعر والشعر أم برة وأب

ليت الأناشيد إذ للحرب تكتبها

مثلُ الأناشيد إذ للحب تُكتَتَبُ

بخ بخ أيها المصري أعمدة

التاريخ تشهد والأهرام والقُبُبُ

للقاسمي صلاة لا يؤجلها

في كل بيت بنى للشعر تُحْتَسب".

ثم قرأ نصاً آخر بعنوان " منازل" الذي تترامى اتجاهاته، وتشتبك بمواجده الوجدانية، مجسداً لحظات مشحونة بالإيقاع ‘فيقول:   

"نعودُ كأنَّا لم نَغِبْ يا منازلُ

ونمضي كما أَنْ لَنْ تَعُودَ القوافلُ

لنا لهَفٌ للمستحيل يشدنا

إليكِ؛ فلا ننساكِ مهما نحاولُ

نزلناكِ لم نُنْكِرْ صداكِ وإنما

رَمَتْنا بوسواساتِهِنَّ الْخلاخِلُ

أَنَهْذي؟ سألنا الصَّبْرَ لم يَلْتَفِتْ لنا

بِوَجْهٍ كَأَنَّ الصَّبْرَ لِصٌّ مُخَاتِلُ".

وألقت الشاعرة هيفاء الجبري نصاً بعنوان "عشق على حافة الكون" الذي يفيض بالبلاغة، ويستغرق في الوصف ويعبر عن الحكمة، فتقول: 

"الأرضُ منزلنا لكنّنا قَدرًا 

في عالمين لكلٍّ منهُ مثواهُ 

لكُلِّ عمرٍ بنوهُ الوارثونَ كما 

لكلّ موتٍ حياةٌ في وصاياهُ

وما تأخرَ بي عمري سوى لأرى 

قلبًا يوزعُ للموتى مراياه ".ُ

وفي نصها الشعري الثاني الذي حمل عنوان "الزاوية" دلالات خاصة، ورؤية فلسفية مشهدية عالية التصوير، عميقة الدلالة، فتقول:  

"الزاوية

جارنا يتفقّدُ نخلتهُ عندنا 

كل يومٍ تميلُ لزوايةٍ في فناء أبي 

ولكيما تعودَ إلى دارهِ

كان يلزمهُ أن يجئَ إلى بيتنا كلَّ يومٍ 

 ليصعدَ نخلتهُ المجتباة من الجهة الذاويهْ

مرضَ الجارُ يوما فقام أبي بالصعودْ

ورأى بيتنا من علٍ 

فرأى كل شئ يذوب على الزاويهْ".

 وألقى الشاعر عمر عناز آخر ضيوف الأمسية قصيدة بعنوان "عَروسُ الضَّاد" التي تعكس جماليات اللغة العربية، وتحتفي بها  بأسلوب رصين يمس المشاعر، ويدعو للتأمل، فيقول:

"لِعُرسِكِ طافحاً بالأُغنياتِ

 أتيتُ بِكُلِّ ما بيْ من حَياةِ

بِقَلبٍ نَبضُهُ أطيافُ رؤيا

 مُخَضَّبَةٍ بِماءِ تَجَلِّياتِ

بِما رَسَمَتْ على الشُّطآنِ يوماً

 أكُفٌّ مِن مَلامحِ أُمنياتِ". 

وواصل القراءة بقصيدة أخرى حملت عنوان" كاف لنون القلب"  التي تفيض بالمشاعر الجياشة، إذ يسترجع من خلالها ذكريات عالقة بالقلب في بوح حميم، فيقول:

"عبثاً أحاولُ أن أكونكْ

أنا وجهُ من لا يشبهونكْ

أنا دمعةٌ عثرتْ بجفن الغيم

فاختصرتْ شجونكْ

وأنا ارتعاشةُ عاشِقِينَ

على الضّفاف يسطّرونكْ".

وفي الختام كرّم الشاعر محمد البريكي، شعراء الأمسية ومقدمها.

Post a Comment

أحدث أقدم