الخطاب الإسلامي والغرب

 



الكاتبة : نسرين عيد الصبحيين

يتعرض الإسلام و المسلمون لحملات من المطاعن والتشويه تَشُنَّها بعض الدول وأهل السياسية والثقافة فيها ، وقد ازدادت هذه الحملات ضراوةً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وزوال خطره على أوروبا ، حيث أصبح عند هؤلاء مصطلحات التطرف والعنف والإرهاب مقرونةبالإسلام لا مجردةً ، فالتطرف إسلامي والعنف والإرهاب إسلاميان ، وكل ذلك مرتبط بالجماعات الإسلامية ، وهكذا اُغفِل الإرهاب الصهيوني ، وهو أصل اصل التطرف والإرهاب في القديم والحديث واُغفِل  التطرف و الإرهاب في في بعض الطوائف المسيحية في الولايات المتحدة ، وهما من اشد الأنواع في عالم التطرف والإرهاب ، واُغفِل التطرف والإرهاب الكاثوليكيان في إيرلندا الشمالية وفي كرواتيا وما تقوم به تلك الطائفة من أعمال القتل والنسف والتدمير ، واغُفِل ذكر العنف والإرهاب الصربي الأرثوذكسي ، كل ذلك ومثله كثير مما يحدث للمسلمين في الهند و بورما _ ليس له ذكر ذو بال اذ يَمرُ به مروراً عابراً ، الذي يجب أن يذكرَ دائما هو الإرهاب الإسلامي فقط كأنه من صميم الإسلام وجوهره ، وأما في غيره فهو عرض زائل او طارئ ، وصارت هذه الصفة الإسلامية ذريعةً للطعن على الإسلام نفسه .

  والصراع قديم ولكننا لا نريد أن نغوص في أعماق التاريخ ، وإنما هدفنا هو الذي نحن فيه الآن وذاك الذي هو مُقبِلٌ علينا في المستقبل القريب . ومن أجل توضيح هذا الحاضر و ذاك الآتي ، يحسن أن نتذكر أن هذه الحملات كانت منذ ثلاث عقود تقريباً موجهة إلى العرب والعروبة ، وقد بُذلت جهود متوالية لتشويه صورتهم ووصمِهم بكل  رذيلة ، وأُلِفت في ذلك الكتب وأُخرِجت الأفلام السينمائية ، وكان وراء جميع هذه الحملات المنظمة على العروبة والإسلام اجهزةٌ ذات تمويل واسع لها خُبراؤها و معاهدها و مراكز بحوثها ووسائل نشرها  .

  فما هو الواجب علينا نحن المسلمين في هذا العصر  : عصر الاتصالات والتكنولوجيا التي عملت على تقريب المسافات وكادت تلغيها حتى أصبح من الشائع أن يقال إنه ( قريةٌ صغيرة ) ؟  أن نَلِجَ في هذه العالم بقوة و أن نتوجه إلى الخطاب العالمي بمشروعنا الإنساني والحضاري ونشارك في هذا الخطاب ثم نؤثر فيه ، بعرض الحقيقة ، وباستعمال لغة العقل ، وبالأسلوب الموضوعي ، وعلى مستوى من الثقة بالنفس وبالأمة و بدينها وحضارتها ، ومن منطلق التكافؤ دون الانزلاق إلى الشعور بالنقص ، ولا إلى الشعور بالتبجح والاستعلاء ، ودون الوقوع في متاهات التسويغ او الوقوف موقف الدفاع ، وإنما بحسبنا أن نبسط الحقيقة حتى تصل إلى غيرنا بعيدة عن تعقيدات المصطلحات وتفريغات المذاهب والآراء الفقهية ، وربما قّوى من هذا الاتجاه إلى مخاطبة الآخرين ترجمة الدراسات العلمية الرصينة إلى اللغات العالمية ، فنخاطب بذلك مراكز الفهم ومراكز الإقناع والاقتناع عند من نريد مخاطبتهم ، وعلينا عند الإقدام على هذا مراعاة عدة مسائل أهمها : أن الحكم العلمي النزيه على الإسلام هو الذي لا يقتصر على التربص بأخطاء التطبيق ، فسؤ تطبيق المبدأ لا يعيب المبدأ نفسه ، ولكنه يعيب الذين طبّقوه ، ومن هنا كان الحكم على الدين واستخلاص صفات معالمه يجب أن يكونا من مصادره الحقيقة ،  وهي كتاب الله وسنة رسوله . 

   ومن هذه المسائل أيضاً قضية المصطلحات ، فنحن كثيراً ما نستعمل _ في معرض الدفاع عن ديننا _  ألفاظاً ومصطلحات توقع في الارتباك ، وتؤدي إلى معاني متناقضة ، فمثلاً يشاع أن الإسلام دين الاشتراكية بينما الإسلام نظام حياة متكامل قد تشترك فيه ملامح من أنظمة أخرى ولكنه يقينا يختلف عنها في مجموعه اختلافاً أساسيا ، مثال آخر حين اصبحنا مصابين بحُمّى ( السلام )  و أسقطنا البديل او الخيار العسكري ، اتخذنا الدين وسيلة لترويج دعوتنا أن الإسلام دين السلام ، وهو حقا كذلك ، ولكن: اي سلام ، ولمن ؟  للمعتدي الذي يحتل الأرض ، والذي سيبقى يحتل جزء كبيراً منها ،  ومثل مصطلح الإشتراكية والسلام ألفاظاً ومصطلحات أخرى منها : الأصولية والديمقراطية والحكومة الدينية...وغيرها الكثير ، فكل هذه الألفاظ نشأت في بيئات ثقافية واجتماعية واكتسبت أبعاداً نفسية ومعنوية ، لا يجوز العبث بها أو نقلها إلى جو آخر ، ولكل ثقافة ولغة خصائصها في إستعمال الألفاظ والمصطلحات . 


  مسألة ثالثة و آخيرة  هي أن فريقا منا يجنح _ بإسم التحضر والحداثة والتسامح ونا يشبها من هذه الألفاظ والمصطلحات _ إلى التفريط في كثير من مبادئ الإسلام الأساسية وأصوله من أجل أن يجعله يبدو قريباً في أذهان بعض سامعيه _تحببأً إليهم او من أجل أن يجعله متمشياً مع روح العصر ومقتضيات الحياة المتطورة _  فينفي بذلك عن دينه الجمود وينقيه من مظاهر المرجعية ، فمهما تكن نيّة فاعله فأنه يقود إلى التضليل والتزييف وهذا ليس في مصلحة ، وليس أحلى في السمع من الصدق ولا أدخل في القلب من الحق  .

Post a Comment

أحدث أقدم