الأديبة : فريزة محمد سلمان/سورية
جالسةً على كرسيٍّ من القش تتابع الطريق المؤدي إلى المدرسة، وأسراب الطلبة، يتقاطرون أمامها.
أصوات ضحكاتهم، تدغدغ مشاعرها، وكم تمنت أن تكون مثلهم، تحمل دفترًا وقلمّا، تلبس بدلةَ المدرسة، تسرح شعرها ذيل حصان، وتنطلق مع رفيقاتها، يجمعهم درب المدرسة وصباحات تضج حيوية ونشاط.
لم تتعلم، فالفقر الأسود، جعل والدها، يسرح بهم كل يوم للعمل في المزارع، ويقبض أجرة يومهم سلفاً، ليشتري طحيناً، وبعض الحبوب، ليطعم أسرته المكونة من عشرة أنفار،فيكمل الدزينة مع زوجته، فيذهب تعبهم لملىء البطون الخاوية لا أكثر.
كان العلم مقتصرا على أولاد الذوات، والمدرسة فقط في المدينة التي تبعد عشرات الكيلومترات عن قريتهم، وحلقة الكتّاب لشيخ القرية الذي هو والدها، لاتتسع إلا للذكور فقط.لكنها حفظت من القرآن آيات كثيرة،فقد كانت تسترق السمع كلما سنح لها الوقت، "حتى إنها حفظت جزء عمَّ"،هذا ماقالته لي وما اكتشفته لاحقاً، عند حفظي للآيات القرآنية في منهاجي المدرسي.
استقبلتنا بصدر منشرح،وضمة حنون، ونهضت عن كرسيها، لتقدم لنا الطعام، لنباشر في حل واجباتنا المدرسية،قبل وصول والدي من العمل، لتتفرغ له كأي زوجة،شرقية مطيعة.
عندما ترانا مقصرين في دروسنا،كانت تقول لنا
_ آخ ياولاد " هادا الجيل راح عليّ الجيل الجاي، بدي اتعلم وصير آنسة". نضحك ونقول لها
_ ماما " شوبدك بهالتعب والحفظ" فتقول من قلب محروق
_ ياأمي " مو أحسن ماكون طلسم مابفهم شي، شو فو أديش في كتابة بس أنا مابعرف شو معناها لأني جاهلة للقْراية، يعني أنا عمياا وأنا بدي ياكن فهمانين ومفتحين، " .
هذه أمي رحمة الله عليها
فالجهل عماء.
جزء عمَّ: هو الجزء الثلاثون والأخير في القرآن.
إرسال تعليق