نص من ديوان "في بيتنا ليلى"

 



للشاعرة  رغدة مصطفى / مصر

في غرفة العمليات

بعدما أخرجوا من بطني ابنتي

حشوا بديلا عنها الخوف

عدتُ إلى منزلي حاملا به

بلا موعدٍ لخروجه.


لم أنم في الأيام الأولى لولادتها

من الخوف لا الألم.

آخر الليل، حين ينام الجميع،

ونصبح على سرير واحد وحيدتين،

أبكي بلا انقطاع،

وتتسارع نبضات قلبي.

كنت أخشى أن توقظها الدقات،

وتفتح عينيها على دموعي.

ترى الصورة الأولى لأمها مشوشة وهشة،

عاجزة وخائفة.


أول كلمات سليمة وواضحة نطقتها

كانت في الحلم.

أتت لطمأنتي:

"ماما أنتِ خايفة كده ليه ؟"

لم تنتظر جوابًا

"تعالي أضحكك"

وأصدرت قهقهات لذيذة

وهي تداعبني.


ربما لم تنتظر جوابًا،

لأنّي حينها لم أعرف سببًا محددًا،

غير أنّي صرت أمًا،

وهذا الكائن الصغير الذي أراقب تنفسه،

صار في رعايتي بكل ألمي وخوفي

بكل جهلي وضعفي.


اليوم أستطيع أن أسرد 

قائمة مطولة من المخاوف.


أخاف من غطاء السرير

أن يحجب عنها الهواء،

إن لم تستطع يدها الصغيرة

إزاحته عن وجهها،

وأنا في غفلةٍ عنها.


أخاف من بلاط الأرضيات

أن يرتطم برأسها اللينة،

مع قفزاتها البلهاء من السرير.


أخاف حبات البازلاء،

وفتافيت الخبز المتساقطة،

أن تجدها كفها الصغيرة وهي تحبو،

فتنحشر في فمها.


أخاف من الماء والدواء

أن يتسرب لمجرى التنفس

مع رفضها إياه

وإمالة رأسها يمينا ويسارا.


أنظر إلى حواف الأثاث وأكواب الزجاج،

العملات المعدنية والأقلام المسننة،

الخيوط الرفيعة وخصلات الشعر،

أظافرها...

أنظر لكل شيء بريبة

متسائلة عن قدرته على الإيذاء.

باتت نظرتي لكل ما حولي مزدوجة.

 ومع كل يوم يمر 

القائمة تطول وتتبدل.


ربما لم تنتظر جوابًا

لأنها تعلم أن الخوف لن ينتهي.

يمكننا فقط التحايل عليه

بضحكة وقبلة

بمزيد من الحنان والحب.

Post a Comment

أحدث أقدم