هل نحن حراس السطح أم حراس المكتبة؟ ديستوبيا كابوسية يعيشها القارئ

 


الكاتبة سحر علي النعيم/ اليمن


رغم مرور خمسة أعوامٍ على إصدار رواية "حارس سطح العالم" للكاتبة الكويتية بثينة العيسى ،والتي كان لها ضجة كبيرة بين محبي القراءة آنذاك، إلا أنه ما زال القراء إلى يومنا هذا يتشاركون اقتباسات "حارس سطح العالم" في مواقع التواصل الاجتماعي.

استطاعت الكاتبة من خلال هذه الرواية أن تثير تساؤلات قد تطرأ على ذهن كل شغوف بالقراءة كـ سؤال: هل من الممكن أن تصبح القراءة جريمة يعاقب عليها القانون في يومٍ ما؟

إلى أي مدى يمكن لقصة أن تغير في معتقدات الإنسان؟



تدور أحداث الرواية في زمن مجهول الملامح، تسيطر فيه الرقابة بالمنع والقمع على كل تفاصيل الحياة، زمن تكون فيه الكتب هي العدو الأكثر شرًّا.

استلم البطل وظيفته والتي كانت عبارة عن رقيب للكتب، وبدأ عمله بـ تحذيرات موجهة له من قبل المراقبين القدامى وحصوله على دليل؛ لتحديد هل هذه الكتب مخالفة أم لا! حيث أن أي كتاب يتناول الثالوث المحرم ( السياسة، الدين، الجنس) يمنع.


فبدأ الرقيب الأول بتحذيره قائلًا:" إياك والتورط في المعنى.. هل تعرف ما الذي يحل بأولئك الذين يسقطون في المعنى؟ تصيبهم لوثة أبدية ولا يعودون صالحين للعيش. أنت حارس السطح.. مستقبل البشرية يتوقف عليك". إلا أن البطل وجد نفسه قد تحول من مراقب إلى قارئ؛ وذلك عندما سقط بين يديه كتاب "زوربا اليوناني" حينها أصبح مشتتًا بين شغفه الذي يجذبه إلى الغوص في هذا العالم المحظور وبين أفكاره التي تجذرت داخله مخبرةً إياه أن النظام لم يمنع هذه الكتب إلا لأنها الشر الأخطر على وجه الأرض. فهل سيتمرد الرقيب على هذه النظم الاستبدادية؟!


وفي الوقت ذاته يواجه هذا الرقيب مشكلة أخرى في حماية طفلته من النظام الذي قد يلقي بها إلى التهلكة ما أن يعلموا بـ أنها مصابة بالمخيلة المحرمة التي تجعلها تعيش في عالم خيالي مليء بالأميرات والجنيات والأرانب المتكلمة، مقتنعةً أن في دولاب غرفتها ذئب، في بطن الذئب جدة، وفي بطن هذه الجدة حكايات كثيرة.


نجحت الكاتبة بثينة في خلق عالم مرتكز على النستولوجيا عن طريق ربط أحداث الرواية بروايات كلاسيكية معروفة، فمثلًا أحد الفصول كان بعنوان رجل يرقص في جزيرة والذي كان إشارة لـ رواية "زوربا اليوناني" حيث أن هذه المحاكات الذكية ولّدت الرغبة للقراء في البحث عن هذه الروايات وقراءتها.


انتقد بعض القراء هذه المحاكاة قائلين: أن الرواية لم تكن سوى محاورة لـ أعمال كلاسيكية معروفة استخدمتها الكاتبة. إلا أن الكاتبة بثينة قد كتبت في نهاية صفحات الرواية: " القصص جميعها هي تأويلاتنا للقصص؛ ليس ثمة قراءة بريئة وليس ثمة كتابة بريئة أيضًا".


لم يُذكر في رواية حارس سطح العالم أي اسم سواءً للشخوص أو للأماكن وقد كانت هذه إشارةً إلى عالم التسطيح البعيد عن العمق الذي تعيش فيه الشخصيات، كما أن الأحداث تتمتع بسياقٍ فانتازيّ وسردٍ إبداعيّ ولغةٍ قويةٍ وحواراتٍ عميقةٍ، وتحتوي كذلك على رسوماتٍ متنوعةٍ معبرةٍ عن الأحداثِ التي كانت بطيئة في الإيقاع رغم صفحات الرواية القليلة التي لا تتجاوز 248 صفحة. على أن نهاية الرواية كانت مخيبة للآمال إلا أن الكاتبة بثينة استطاعت من خلال الغلاف وعنوان الرواية أن تجذب القارئ وتقوده في رحلة ديستوبية عبر السطور.

أخيرًا " تذكر دائمًا إياك والتورط في المعنى".

Post a Comment

أحدث أقدم