يوميات طالب منكوب

   


 بقلم حمزة محمد العليمي

دائما القصص ذات النهايات المؤلمة تبقى في الذاكرة وترقد اكثر من تلك التي تنتهي كما نرغب نهاية سعيدة.

 

بثوبها المورد كانت تقف على ناصية الشارع القريب من بيتنا، نعم هي نفسها ذات الفتاة التي يراها كل يوم، وكأنها المرة الاولى التي يراها فيها حتى أنه استرسل في النظر  وفقد الشعور بمن حوله إلا هي وثوبها المورد البراق..شعر باحمرار في وجهه وجفاف في حلقه ورعشة في قلبه.. نعم إنه هو ذلك الشعور الذي يتملكه هو نفسه الذي قرأه في كتب وشاهده في الأفلام والمسلسلات، أيقن هنا أنه يجب عليه أن يقوم بالخطوة الأولى والاقتراب من الناصية، تلك الناصية التي طالما وقفت عليها وانتظرت، أردف في داخله نعم فلتتحرك قدماي وليجف حلقي وتزادا ضربات قلبي ...أسرع فأسرع...ها أنا قادم.....

 

هنا أفاق فزعا من نوم عمييق وأحس بألم على ناصية وجهه الأيمن وهو يردد في نفسه "أيعقل أن تكون الحمرة التي احسست بها من  شوق اللقاء"؟!

يبدو أن صديقه الذي يشاركه الغرفة أدى واجبه تجاهه بكل ما يمليه عليه ضميره اليقظ..

وكانت هذه الصيحات تملئ الغرفة "ولك قووم شو في غيبوبة اتأخرت عالمحاضرة... يلا فز"...كان صوتا قويا مرتفعا.

نظر نظرة عميقة في عينيه وقال له: "أفزعتني، أرعبتني، لماذا أيقظتني؟!"

 

نعم ايقظه ذلك الصديق الوفي.. رامي، يا لوفاءه..ربما رآه مستغرقا حالما مبتسما فأراد أن ينزع منه جمال تلك اللحظات التي كان يعيشها.

أردف بداخله كيف لا وأنا الكسول وهو من يرتب ويحافظ على نظافة السكن، فهو يحب أن يكون كل شيء في مكانه أنيق مثله...نهض من فراشه متثاقلا يحمل علامات الخيبة، والحزن يتملكه فقد كان حلما كالحقيقة التي يحب، لم يتبق منه سوى حمرة وجهه.. فقال: آخ يا وجهي..

على عجل ارتشف القليل من القهوة التي كانت معدة مسبقا، ربما من ليلية أمس على ما يذكر لتعدل مزاجه ويستطيع بها أن يكمل نهاره الذي يبدو أنه سيكون حافلا كبدايته..

وصل الجامعة بعد أن سبقه رامي كالمعتاد وعند مدخل الكلية رآه يتوسط مجموعة من الاصدقاء والصديقات..فقال في نفسه حان وقت الانتقام...أسرع باتجاههم

وأردف "صباح الخير..رامي ليش ما نزلت الزبالة معك وانت نازل زي كل يوم"؟؟!...وهرول مسرعا باتجاه مبنى الكلية متجها الى قاعة المحاضرة والتفت خلفه بنظرة خاطفة، وإذ برامي ينظر إليه نظرة حمررراء كلون ناصية وجهه من أثر إيقاظه له فأسرع وأسرع حتى دخل قاعة المحاضرة وهو يفكر كيف سيعود الى السكن؟

 

خرج من قاعة المحاضرة التي لا يدري كيف بدأت وانتهت فقد كان منشغلا يفكر في حلمه الضائع وصديقه الرائع الوفي رامي.

أدرك انه وضعه في موقف محرج لا يحسد عليه أمام الزملاء والزميلات، وقرر الاعتذار منه.

كان قد حاول الاتصال به إلا أنه لم يكن يجيب على غير عادته حتى أنه لم يجب على رسالة أرسلها إليه اثناء المحاضرة، كيف لا يجيب وقد اعتاد على وضعه في مواقف محرجة كثيرة وكان يأخذ الأمر بحس فكاهي؛ فأنا أدرك تماما طيبة قلبه وفي نفس الوقت قوة بدنه (مستذكرا سبب احمرار وجهه).

رن هاتفه معلنا وصول رسالة..إنها من رامي، فقد ارسل له رسالة اثناء المحاضرة تقول باختصار: رامي انا آسف.

فكان رده: "اسف على ماذا.. لا تقلق متعود على هبلك". كانت هذه الكلمات البلسم الشافي الذي اثلج صدره وأزال حمرة ناصية وجهه من أثر يديه.

ذهب مسرعا متأخرا للمحاضرة التالية وهناك رأى ما كان قد رآه عند ناصية الشارع..نعم تكاد تكون هي؟!!

 وضع يده على وجنة وجهه يتحسس حمرتها وهو يردد ويقول هل هذا حلم مرة أخرى أم هو الواقع!!؟؟

 


Post a Comment

أحدث أقدم