بقلم الكاتبة رضوى رضا
لدي صديقتان الأولى منطلقة سعيدة ترى الجانب المشرق دائما من كل أمر والثانية مكتئبة ترى الحياة بلا أمل، وتقابلنا اليوم وقد صادف هذا اليوم العالمي للمرأة وبما أنّي أحب صديقاتي قمت بتهنئتهما راجية لنا جميعا أياما سعيدة منطلقة بالمزيد من الحب والسعادة والإنجاز، ولكم أن تتوقعوا ردّ كل منهما؛ فصديقتي السعيدة ابتسمت وردّت لي التهنئة مضيفة أن كل امرأة تستحق هذه الأمنيات وأن العالم لا يكتمل إلا بنا نحن النساء بل نحن الحياة ذاتها؛ ففي كل تفصيله يضيف وجود الأنثى البهجة وللحياة حياة لكن عليها دائما أن تنظر للجانب المضيء من الحكاية وتساهم في سعادة نفسها كما تحاول دائما إسعاد الآخرين حتى يحدث التوازن المطلوب للحياة، وختمت بأن الحياة جميلة بكل تحدياتها ومواقفها الطيبة وتجاربها الشيقة وأنه من الجيد أن يكون للمرأة يوما تحتفل فيه بنفسها ويحتفل العالم كله بها.
أحببت حديثها وتمنيت أن تعلم كل امرأة في الوجود قدرها الحقيقي ومميزاتها اللا محدودة ولتي لم ولن تتوقف يوما، ثم قطعت أفكاري صديقتي المكتئبة لتخبرنا.. هذه شعارات فارغة فكل شيء في الواقع يحسب للرجل هو من ينفق ويعمل لأجل العائلة هو من يتحمل التعب لأجل الأسرة وتُعزى التربية الحميدة له وهو من يختار وإن فشل اختياره يقابل بالأعذار، والجميع يصدّق ملتمسين له أنه يعمل خارج المنزل ويتحمل الكثير من الصعاب ؛ فهل سيعمل داخل المنزل أيضا، أليس ظلما!
بينما الناس يحمّلون المرأة السوء دائما؛ سوء السمعة إن وجدوا منها شيء لا يلقى استحسانا، سوء التربية إن أخطأ أطفالها، سوء الاختيار إن عذّبها شريكها أو تعبت في مجال دراستها أو عملها، ثم لا يكتفون ولا يتذكرون التزاماتها خاصة تلك التي بعد الزواج هذه الالتزامات التي تقع على عاتق كل أنثى لديها أطفال؛ فهي عليها بتدبير شؤون المنزل ويا ويلاه من هذه؛ فهناك القسم الذي تريد كل امرأة إغلاقه بلا رحمة من المنزل وهو المطبخ وغرفة الغسيل هما شيئان لا ينتهي العمل فيهما قط ويتكاثرون يوميا بل كل ساعة ثم الغبار وما أدراك ما الغبار هذه الحبات التي لا أعرف من أين تأتي مهما نظفتها وإن أرسلت في طلب من يساعد من العمالة الخارجية تضطرين للوقوف على يدها وإن لم يكن ستجدين نصف عملك ضد رغبتك، وإن انتهينا من المنزل والترتيب وجدنا الأسئلة التي لا تنتهي من الأطفال؛ فالرجال لا يجاوبون أبدا على تساؤلات أطفالهم وإن حدث تكون الإجابة إما حينما تكبر ستعرف أو اسأل ماما، وكأن ماما هي عالمة الذرة والبطلة الخارقة التي في حياتهم فتضطر طبعا خوفا من أن تصبح أمّا جاهلة بجانب أب متكاسل فيربون أطفالا محدثين لديهم ما يسمونه حاليا بالاضطراب النفسي المعرفي السلوكي فيصبح طفلا معقدا نفسيا فقط لأنّها لم تجاوب على سؤاله - كيف ينجب الديناصور إن تزوج من السلحفاة الكسولة؟- فتضطر للبحث وليس فقط عن إجابة السؤال بل أيضا عن إجابة شافية لسخرية زوجها من أن الديناصور القوي أصبح مسكين قد أوقعته السلحفاة الكسولة في حبها فتزوجها ناظرا لها بطرف عينه بينما العين ونصف الأخرى على شاشة هاتفه، تعرف أنه يشاهد سلاحف أخريات لكن من المؤكد لا يراهن كسولات بل هن فقط حسناوات لا يعرف أنهن كذلك لأنهم فقط لم يقعوا في مصائد الديناصورات، وضحكت صديقتي رغم شعورها المرير البائس لتقول "وإن كنت في مكان تلك الأم طبعا لا ينقذني من هذه الورطة سوى العزيز جوجل وهنا أود أن توجّه بالشكر للأخ جوجل؛ فهو كثيرا ما يساعد وقد ساعدني كثيرا حتى لو بمعلومات غير موثوقة لكني أحمله المسؤولية أمام أطفالي وأخبرهم أن جوجل قال، وقد وثق أطفالي في جوجل كثيرا لدرجة أنهم استغنوا به عن سؤال أبيهم وأصبحوا في كل موقف يطلبون سؤال جوجل، وكم أود أن أعيد النظر؛ فربما الارتباط بجوجل يكون أكثر فائدة . وبعد إجابة الأسئلة ينام الأطفال والمنزل قد عاد كما كان كمنطقة ألعاب في أحد المراكز التجارية وأنهار أنا باكية على يومي الذي لم أرتح فيه ساعة ولم أنجز فيه شيئا لذاتي؛ فألجأ لصديقي اليانسون لكي يهدئني وأنام لأكتشف أنني هربت من واقعي لأستيقظ عليه صباحا، أهذه هي الحياة التي أستحقها وبما أحتفل بعذاب كوني امرأة تدمرها المسؤوليات كل يوم وتُعجزها عن تحقيق أحلامها والتي هي أصلا حقوقها فما أريده هو تحقيق ذاتي في شيء أحبه وتربية حسنة لأطفالي وزوج متعاون وتقدير ورفاهية ورحمة وحب، لكن في الواقع هذه أمنيات والأمنيات لا تتحقق في عالم ومجتمع يؤمن بالشعارات أكثر من رؤيتها تطبيقا عمليا؛ فاليوم ونحن في الألفية الميلادية الثالثة نرى بعضنا بعض عبر وسائل الاتصال المرئي بسهولة، ونتواصل في أقل من دقيقة باستخدام هواتفنا إلا أن هناك نساء تحت خط الفقر يضطرون لبيع أجسادهن وأحيانا أطفالهن للقمة العيش وهذا أسوأ أنواع التجارة والأكثر منه من هنّ تحت وطأة الحرب والعالم يشاهد في صمت وكأن تلك ليست امرأة لها حد أدنى من الحقوق على العالم وقادته ومسؤولية تلبيتها وأبسط حق لها أن تعيش آمنه مطمئنة تنعم براحة في منزلها، تنتج فيما تحب من عمل لتشعر بالسعادة في الحياة فتضيء وتثمر لعائلتها، من أبسط حقوق كل امرأة في الحياة أن تشعر بالأمومة والتي للأسف جعلوها عبئا علينا أكثر منها رحمة، أخذوا منا فرحتها وأثقلونا بمشاكلها وأحزانها وأحدثوا فينا الخوف منها كثيرا والخوف عليها دائما.
في رأيي أنّه يوم الاحتفال بعذاب مخلوق المرأة التي لم تخلق إلا لمواجهة الصعاب وما يقال عن النعيم أرجو أن نلقاه في الجنة فهذا ما تبقى للمرأة من أمل ...
ظللت وصديقتي الأخرى ننظر لصديقتنا المكتئبة بعيون جاحظة وبعقول تتلمس أملا وقلوب تأمل في رحمة ثم بدأتُ حديثي ..فقلت: إن جميعنا خلقنا للتحديات رجل وامرأة ولا أحد لديه إعفاء منها سوى هؤلاء الذين خلقوا بعقول غير كاملة أوغيبوا بشكل ما بإرادتهم أو دون إرادتهم، والمرأة عليها أن تهتم بسر الحياة قبل كل شيء؛ فحبها لذاتها وإيمانها أنها مخلوق مكرم له حقوق وعليه واجبات أهم سر إن استطاعت الإيمان به وتطبيقه فُتحت لها الكثير من الأبواب المغلقة ثم إنّ سر الأمومة والذي هو الأعظم في خلق المرأة وهذا لم يكن إلا تشريفا من الله لها ولجسدها الذي يعتبروه البعض سر الشرف وسوء السمعة وفي الأصل هو جسد كرمه الله بأن جعله بيت لحماية مخلوق جديد ينفخ فيه من روحه، أراد أن تلامس روحه روح الأنثى مع جنينها لتصبح حاملة لرسالة جديدة تخرج للحياة محملة بأنقى ما في الحياة نفخه من روح الله سبحانه، إن الله يعرف أن المرأة ستحمي ما أودعه في رحمها ستحمي الروح التي نفخها وستؤدي الرسالة إلى جانب الرجل ولم يكن هذا انتقاصا أبدا من الرجل الذي عليه أن يعلم أن الله لم يخلق حواء إلا لتكمله ويكملها وأن الحياة لن تستقيم إلا برجل وامرأة اجتمعوا على حب الله والإيمان بشريعته فيهم وتطبيق الود والسكن والرحمة بينهم ومن بعدها تستقيم حياة الأسرة الواحدة؛ لترعى أفرادها جميعهم بحب فيغدون أُناسا ناجحين سالمين نفسيا وجسديا قادرين على إنشاء المزيد من العائلات السوية التي ينتج عنها مجتمع قادر على مواجهة التحديات، الجميع فيه يعرف واجباته وقدراته والتزاماته تُجاه نفسه أولا ثم تجاه الآخرين.
نحن فقط لدينا سوء فهم لمعاني الحياة ولو صححناها سنجد أن الحياة متعة حقيقية وهبها لنا الله لكي نخطيء ونصيب ونستفيد من أخطائنا ونستمتع بإنجازاتنا؛ علينا أن نحدد أوقاتا لكل شيء علينا وأن نستمر ونضع الخطط ونبتعد عن اليأس ونطلب المساعدة، ونتعامل بحب ونؤمن أن كل فرد كما له نصيب من التحديات لكي يتعلم له نصيب وافر من الحب لكي يحيا مطمئنا؛ فقط علينا أن نؤمن بذلك..
تدقيق لغوي الأستاذ محمد فواز
إرسال تعليق