الناقد والاديب علوان السلمان
الخلق الشعري وسيلة تعبيرية ذات وظيفة جمالية باعتبار الجمال صفة الفكرة التي تتجسد بشكل رمزي..ودلالة اجتماعية يحققها منتج(ينشيء من العالم المفروض عليه عالمه الذي يحلم به..)على حد تعبير بول ايلوار..كونه يمثل قمة الهرم الوجودي الابداعي ..بقدرته على الخلق ضمن اطار الوعي.. والنص الشعري الذي هو اللغة في وظيفتها الجمالية غايته تحقيق حاجة وجودية وتسجيل موقف ازاء حركة الكون.. كونه(روح منفعلة ومتفاعلة وفاعلة بقضية ما..)كما يقول السياب..فضلا عن انتزاعه الاشياء من طابعها السكوني وشحنها بدينامية متفجرة تسهم في تحويل المعاني الى رموز وجدانية برؤى ثابتة وابعاد متجاوزة لزمكانيتها.. والشاعرة وفاء عبدالرزاق في مجموعتها الشعرية(صمغ اسود)المحتضنة واحد وثلاثين عينا كرمز اشاري مضاف تهتم بترسيخ تقنية المشهد الانساني بدلالتها ووقعها والتي يكشف عنها الاهداء النص الاستهلالي الموازي الذي جاء موجزا..مكثفا خاليا من أي اشارة او توقيع حرفي او اسمي….(الى ثلاثين عينا شاخصة بوجه الكفر ..)..وتميزها بامتلاكها نفسا حكائيا متكئا على فعلية دالة على الحركة والدينامية بالفاظ موحية خالقة لصورها الشعرية ..مع استثمار تيمات السرد ذو الطابع الزمني.. رمل فوق اكتافه وبقايا ريح تقرفص التراب فوق العتبة حالما بقدم.. لم يطفيء شمعته عند آذان الفجر عانقها طويلا بعد الركعة الثانية انحني مثل ظهره المحني بالسنين فالنص يشتغل على بنية الانكسار النفسي بحكم المؤثرات الخارجية والظروف الموضوعية والذاتية التي تمازج بينها الشاعرة التي لا تريد تصوير الطبيعة الماساوية بقدر ما تسعى الى ابراز الاحساس بها وفقا للمستوى الفني المتمثل بالرمز المستل من اديم الواقع والصراع النفسي عبر مخيلة تنسج منولوجية حوارية صامتة بين الذات ونفسها..فضلا عن توظيفها للرمز الاشاري الذي امتلك دلالته ووقعه ابتداء من العنوان العتبة الاستقرائية المانحة للنص هويته وسر مفتاح مغاليقه..كونه رمز اشاري يتجاذبه عنصران(التنكير والوصفية)معتمدا (التآلف والتعارض)حسب نظام بورتال اللوني الذي هو وسيلة التميز البصري..وما بين الشيئية اللونية(البياض الصمغي)واللاشيئية متمثلا بالغياب اللوني(الاسود)..تسبح الشاعرة بنصوصها العينية التي توظف اللون بوصفه رمز ثقافي مؤثر في السلوك.. قابلة تستوضح رحم الضفاف وفحولة النهر قف هناك القابلة تنتظر ارحاما.. من الجوع الى الجوع قف بينهما واختر جثة القابلة فالنص تكمن فيه خاصية التكوين الادهاشي بفعل المجاز المتخيل وهو يحمل قدرا من الرؤية التي تعبر عن الوهج الانساني..باعتماد تقنية الانزياح والايحاء والتكثيف والنص الصامت(التنقيط)واستنطاق رموز الطبيعة للتعبير عن لحظة انفعالية مشهدية تجنح نحو الايجاز والتركيز..وهي تتكيء على محمولات لفظية منتظمة في سياق الموضوع المتسلسل الاحداث الدرامية التي تكشف عن صور حسية(بصرية)بامتزاج مشاعر القلق والاغتراب الذي شكل ملمحا بارزا في نصوصها الشعرية التي تميزت بسياقين متوازيين: اولهما:السياق الشعري وعمق الدلالة وثانيهما:السياق الاحتفائي بالحياة التخييلية يمرون كثيرا يمرون يمرون والخنفسة على ظهرها مقلوبة ثقبك منفوخ ياوطني اتكبر بالثقب؟ فالنص يعتمد سمات فنية وجمالية تتمظهر في البنية النصية متمثلة في التكثيف الدلالي والتركيز والضربة الادهاشية التي تمنح النص اضاءة جمالية تسهم في تحريك الخزانة الفكرية للمستهلك(المتلقي)..اضافة الى انه يمزج ما بين النثرية والشعرية من اجل الارتقاء بلغته التي تعتمد التقابل والتضاد والمعبرة عن الحالة النفسية المازومة ..مع تركيز على جمالية السياق الشعري..فالتكرار العنصر البنيوي له دلالته التي تتعمق من خلال اللفظ المكرر الذي يضفي نبرة موسيقية مضافة ..كونه صفة بنائية لها ضرورة دالية في النص.. وبذلك قدمت الشاعرة نصوصا امتازت بالخصب والثراء اللغوي معنى ومبنى مع اكتظاظها بالفنون دونما تكلف يضر بجمال الصورة وهي تتكيء على التضاد والمفارقة بتدفق شعري يستقصي اجزاء المعنى ويعبر عن الانفعال الوجداني..
إرسال تعليق