الكاتبة والسيناريست رضوى رضا
استيقظ كالعادة ليفتح التلفاز شيئا يسمع صوته في الفراغ حتى يفيق من نومه، فتحه وتركه ولم يعلم ما كان يبُث، ذهب إلى دورة المياه ثم خرج والمنشفة تغطي وجهه فهو ما زال في سباته ثم سمع أصوات صراخ خطفت قلبه ثم توقفت، أزاح المنشفة بسرعة ناظرا حوله ليجد كل شيء كما هو في بيته، أمعن النظر ووجد أنه لا أحد هنا غيره. ذهب نحو باب الخروج ليرى ما تلك الأصوات، لكن لا أحد بالخارج الجيران في منازلهم والشقق هادئة لا شيء غريب في المحيط فتسائل "من أين تلك الأصوات؟"
أغلق الباب لتعود الصرخات ففتح الباب من جديد ووقف برهة يتحقق، والصراخ قائما فابتعد خطوة عن باب شقته باغيا التأكد من أن ما يسمعه هي فقط أصوات أطفال الجيران حينما يلعبون الغميضة كالعادة ولكنه لم يجدهم. استمرت الأصوات تتعالى وتهدأ وتعود ثم انتبه إلى أن الصوت قادم من شقته اعتلى وجهه القلق والخوف واضطر أن يمشي خلف الصوت هذه المرة وليس خلف المنطق، وفي غرفته الداخليه حيث تنبعث الأصوات دخل بحذر ليرى شاشة التلفاز وقد امتلأت بجثث أطفال، نساء، شباب، شياب. الدماء تحيط بالجميع وبعضهم أشلاء جحظت عيناه ورغم أنه منظر ليس مُستحب إلا أنه منظر يسحب العين فلا تذهب بعيدا خاصة حينما تشاركها الأذن بسماع صيحات القهر والألم والاستغاثة ثم أصوات إنذار سيارات الإسعاف كل شيء يحدث سريعا، وفي غمرة صدمته تشد انتباهه من بعيد في السماء فجوة سوداء يعلم مصدرها لكن ربُط لسانه عنها ليرى منها تنطلق النيران لتقضي على ما بقي، الجميع يصرخ، يركض، يختبئ، ومنهم من ينجح ولكن الكثير يفشلون، وهذا ينادي وتلك تستغيث وأخرى تنادي على فارس باكية "فارس طفلي الصغير.. فارس عمره ست سنوات .. أين أنتي يا ولدي لا توجع قلبي يكفي أننا...." صمتت.... لقد كانت الرصاصة أقرب بل كانت أرحم.
وأين أنت يا فارس. هل لحق بأمه أم أخذته الفجوة السوداء أم فُقد مع بقية الفرسان ... والجميع يبحث متسائلون هل هو الزمن الذي يعود فيه الفرسان؟
ظل مشدوها، عيناه جاحظة تتسع أكثر في محاولة لاستيعاب المشاهد التي تتكرر، وأذنه تفكر هل ما أسمعه ليس فيلما دمويا؟ ليخاطبه قلبه " ألم أخبرك مرارا وتكرارا أنني لا أحب رؤية هذه الأفلام ولا يروق لي سماع أصوات الألم وطلقات النيران فيها" ليهز رأسه نافيا رافضا ثم مؤكدا أنه ليس فيلمًا بل حقيقة يسيطر عليها صوت الألم ويعلوه فقط صوت القهر والانهزامية ويتوجهم العجز؛ فهو الآن عاجز رغم قدرته على كل شيء إلا أنه فعليا عاجز؛ فلا يوجد أصعب من أن تتألم في صمت إجباري، تعترض ولا يجب أن ترفض، تشجب بينما أنت مبتسم، تستنكر وأنت راضِ، توصي بأقصى درجات ضبط النفس ثم يُبتر جزء منك والمطلوب ألا تتداعى له بقية أجزائك وقد فعلت لم تتداعَ بل التزمت أقصى درجات ضبط النفس، ليست الحكمة تقتضي دائما ضبط النفس لأنه إن بُتر جزء منك وأنت هادئ تنتظر معجزة دون عمل سيكون على بقية أجزائك انتظار نفس المصير ....
خرج عن صدمته حينما ظهرت المذيعة على الشاشة لينظر حوله ولا إراديا أراد أن يتأكد أنه ليس هناك وإنه هنا في بيته وفي مدينته الهادئة، ذهب فورا إلى النافذة فوجد السيارات تقف متزنة في إشارة المرور والناس تعبر الطريق في هدوء والحياة تمضي إلا أنها هناك تتوقف في كل لحظة وتسائل "لما تغتال الإنسانية بعضها" ليأتي صوت المذيعة منبها له ليسمع منها "ونقول لإخوتنا في الإنسانية
إننا على شفى حفرة عميقة يتولاها الشيطان بعناية، وإن لم نتجه نحو القادر الوحيد عليه وهو الله ذو القوة المتين سنكون حطبا مميزا تُباد من خلاله البشرية لذا؛ عودوا إلى الله أولا ومن بعدها سنجد جميعا طريق النجاة"
إرسال تعليق