منطق العاطفة والخيال الخصب لدى الشاعرة وجدان وحيد شلال


 

 الكاتب داود السلمان /شاعر وناقد عراقي 

   ربما يكون (نيسان) فيه ذكريات عاطرة وجميلة، لكثير من الناس، باختلاف اذواقهم، فهذا الشهر الذي يتحسسه البعض، ويغدق عليه بعطاء ثرّ من ذكرى، وربما مناسبة جميلة، أو غيرها من مناسبات عزيزة، لا تُريد أن تبرح عبق تلك الذكرى وسنوات الماضي السّحيق، والذي يلقي بظلالة، ربما كذلك من أن نيسان تسقط فيها الأمطار الباذخة، فتغمر وجه الأرض العطشى لمواسم الفيض، وبلل تلك الأمطار التي تريد أن تغذي بحنانها، خصوبة التربة الظامئة. وفي العراق، هذا الشعب الطيب، ذكريات مع نيسان، إذ نحتفل بأمطاره كما تحتفل بعض الشعوب الأخرى بمواسم جميلة وعزيزة عليها، كعيد نوروز على سبيل المثال الذي تحتفل فيه طائفة كبيرة. فمن احتفالاتنا، حين تسقط الأمطار، أننا نخرج لنقابل زخات المطر برؤوسنا الحاسرة، وقلوبنا الصافية وأفئدتنا النديّة، وما زلنا نفرح بالموسم هذا ونطلق عليه "مطر نيسان" كنوع من الطقوس. 

   الشاعرة وجدان وحيد شلال، أبت إلّا أن تؤرخ لهذا الشهر، لكي لا ننساه أو قد تبرح ذكراه بعض أجيالنا القادمة، فتوّجته بنص جميل، كجمال روحها النابضة بالشعر، وفؤادها الخافق بالإبداع؛ نص بعنوان "مطر نيسان". 

   وفي هذا النص، نجد المعاني تنساب، كما ينساب الماء من شلال متدفق، جمالا ورقة، ما يدلُّ على أن الشاعرة متمكنة من أدواتها الشعرية، ولها باع طويلة في الخوض بمياه الابداع من دون مخاوف، أو ردود أفعال مختلفة، وإن كان بعض الخوف، لا يعني الخوف ذاته، بل ربما لكون الخوف يأتي من النجاح، فالناجح يخاف ردّة فعل نفسه، ازاء طبيعة النجاح، لكون النجاح يحتاج إلى تضحية، وابعاد تقيم أود ذلك النجاح، فكثير من الناس فشلت وتضعضعت، لأنها تعمل من دون بذل جهود استثنائية، بل أنّها اصيبت ببعض الغرور، وهذا قد يكون معروفا وليس بجديد على الساحة الابداعية، أي الفشل والخوف.

   لذا نعتقد أن الثقة بالنفس، والتأكد من مصداقية الأفعال التي يقوم بها المبدع، ثم يبذلها ازاء عمله، هو سبب رئيس في نجاح وانجاح العمل الابداعي، بكل مسمياته؛ وهذا هو عين ما فعلته شاعرتنا، كما يبدو للوهلة الأولى لمن يتابع ويقرأ نصوص وجدان شلال، والنص هذا الذي بين أيدينا، وحتى غيره من نصوص أخرى، منشورة لها على بعض المواقع الالكترونية، والصحف المحلية، بل وحتى على صفحتها الرسمية على منصة الفيس بوك.

  في الموسم الأول من مقالاتي التي نشرتها في كتابي الموسوم "نكهة المعنى" والذي خصصت به أربعين أديبا، بين شاعر وقاص وروائي، وجُلهم من الأسماء المعروفة البارزة. وفي الموسم الثاني أو فلنقل الجزء الثاني، الذي سأخصصه للأسماء التي لم تأخذ حصتها المقررة من النقد، أو هكذا سأسميها وإنْ تقوّلي عليّ متقوّل، سأخصصها لهم في كتاب خاص الذي من المؤمل أن يصدر في الأشهر القليلة المقبلة، وسيكون أسم الشاعرة وجد وحيد شلال من الأولويات تلك الأسماء، آخذا بعين الاعتبار نصيحة أخي وصديقي الشاعر الكبير وليد حسين ، إذ نصحني بأن أسلّط الضوء على أسماء، لم يتناولها النقد بعد، وبقيت تحت رحمة الزمن، وذائقة النقّاد.

  وفضلا عما قلنا بداية بحق الشاعرة وجد ما قلناه، يحق لنا أن نضيف بعض الشيء، عودة على بدء، فنرى أن الصورة الجمالية التي دائما ما تضفيها شاعرتنا، هي صورة نابعة من فيض احساسها، كشاعرة متمكنة، وكامرأة، والامرأة في فيض الاحساس لم تكن بخيلة ولا شحيحة، إذ أن التركيبة التكوينية أو البيولوجية، للمرأة جعلت منها جياشة بالحنان، فما بالك لو كانت هذه المرأة شاعرة وتتعامل بشرف الكلمة، ومنطق العاطفة والخيال الخصب. وهذا ما وجدته بالشاعرة وجدان، من تدفق وخصوبة فنية ابداعية، ومن خلال نصوصها الكثيرة، والغزيرة في الوقت ذاته. 

*النص.. (مطرُ نيسانُ)

للشاعرة: وجدان وحيد شلال 


في الطريق إلى البحرِ

بمنحدرات من أسودِ ناعم 

لا يشربُ

الحقيقة مدورة

تلتف حول القمر 

تقول:

خُذّ حذرك من الناي 

لا شيء، كل شيء يسير على ما يرام 

وحقائب الأحلام فارغة 

في تأنيب ضمير 

لفخِ المرايا 

اقلب أوراق الذاكرة حتى حافة النهر 

الاسئلة تلوذ فوق  الماء

ما الذي يدفعك للوقوف على قشةِ؟؟

والشوق قد جفّ على صليب الغياب 

ذهبت لأختبئ

بأحدى النوافذ الموشومة بالحنين 

عندما رأيتها تضحك لي 

كلنا نعشق العشب والأشجار 

سراً 

بعيداً عن المنازلِ

هل أنا في مأزق ؟

تلك الأذرع المتشابكة 

على طول الأرصفة في قاع فنجاني

قراءة تلو قراءة 

تقول لي 

ماذا نفعلُ بمطرِ نسيان ؟

وأفضل ما في حياتها كان وراءها 

كنت أريد الهرب 

أن اقف لحظة على وقت غدِ

حتى لو كان في قعر فنجان 

هكذا ،،،

عندما تبحرُ في العزلة 

يذبلُ الذهول 

على الفور تنطفئ شموع الغياب 

ويضيء القمر.

Post a Comment

أحدث أقدم