بقلم :غلاء أنس
من حقنا أن نسأل: ماذا ينجز التقدم للإنسان، التمدد المادي دون التحقق الإنساني؟ ألا يكشف هذا عن الوجه المادي الحقيقي لمفهوم التقدم الغربي؟ فبدلاً من استخدام مؤشرات من عالم الإنسان (السعادة والطمأنينة) نجد أنفسنا نتساقط في عالم الأشياء والسلع والمؤشرات المأخوذة من عالم المادة (السرعة، الإنتاجية، .. إلخ) من دون أي اكتراث بمدى تحقيقها السعادة أو البؤس للإنسان؟ .. ثم يختتم المقال بإشارة إلى أعضاء قبيلة الباكوتو التي تعيش في الكونغو والتي وصفت الإنسان الغربي بأنه ’خفاش يطير بتوتر ولكنه لا يعرف إلى أين‘".
العالم من منظور غربي – عبد الوهاب المسيري
الوضوح الفكري والاتزان النفسي، هكذا أصف خطاب المسيري في كتبه، وهذا من كتبه القصيرة والمهمة، والتي تناولت الرؤية الغربية المفروضة على العالم بقوة العامل الاقتصادي والثقافي، بمزاياها ومساوئها وأثرها على المنطقة العربية والعقل العربي الحديث والثقافة العربية في أثوابها الجديدة.
فيتحدث عن النموذج المعرفي لكل ثقافة والذي يرسم تصورات أهلها عن العالم حولهم ويضبط معاييرهم للصواب والخطأ والممكن والمستحيل، ويحلل النموذج المعرفي الغربي (الأوروأمريكي) من حيث الأسس التي يعتمد عليها في تأليه الطبيعة وقوانينها والاستخفاف بالروح الإنسانية ومقوماتها أمام النظرة العلمية الجامدة، غير المستندة إلى أي نظام أخلاقي يضبطها ويوجهها، كما تناول الفلسفة الغربية التي غرَّبت الإنسان وسط أهله وأعلت من فرديته حتى قطعت أواصر العلاقات الاجتماعية وأحالتها إلى مجموعة من العقود المعتمدة على المنافع المتبادلة، دون أن يضبطها نظام معرفي ثقافي أخلاقي يسمو بها.
وتناول الكاتب التحيز العربي للنموذج المعرفي الغربي في معارفه وفلسفاته ومصطلحاته اللغوية وحتى في عمارته وتخطيط مدنه وملابسه ورؤاه وطريقته العلمية، مؤكداً أن التحيز مرتبط بالثقافة ارتباطاً وثيقاً ولكن الإنسان قادر دائماً على اختيار الرؤية التي ينحاز بثقافته إليها، ومن هنا دعا إلى تجاوز النموذج الغربي بفهمه وتحليل أسسه وإدراك النظائر في ثقافتنا والانطلاق منها، ومنها فقط، لبناء منظومتنا الثقافية المعرفية الأخلاقية، جاعلاً من مثال الانتفاضة الفلسطينية الأبرز للنموذج التكاملي العربي المراد تحقيقه.
كتاب جيد بلا شك ومهم في طرحه، ولا يصعب فهمه على المبتدئين في القراءة عموماً.
إرسال تعليق