طفلة الغيم

  


الكاتبة سحرالأحمد

تراءَى لي من بين الكثيرين اللذين عبروا 

وقبل أن أطفئ النور الأخير 

والذي بقي متقدا في قلبي 

على أنها لغتي أستمعُ إليْ 

لأفهم نجواي وظلال روحي ،

فقد انسحب العمر مني 

ونزل الليل سريعا من وراء النوافذ ..، 

ولا زلت تلك الطفلة التي 

تركض خلف الغيمات 

وكلما سمعتُ صوت أمي 

حلّت محلّها سكينة القلب ..، 

أتذكر همس معلّمتي تعاتبني 

كلما تناولت كتابا أقرأه على أقراني ،

تُحدثنا عن ثقافة العيب فأحدثها عن المحبة ..، 

تثرثر كثيرا عن الخطيئة وعن الثواب والعقاب 

وعن الصلاة وعقوق الوالدين، 

فأردد على مسامعها إنَّ الله محبة .. 

وعندما وَجَدتْ كتابا نزاريا بين دفاتري 

صادرتْ حقي في القراءة ومنعت صوتي 

تظل تنهرني بالإشارة قائلة: 

ماذا ستفعلين بالحياة ؟ 

وماذا ستفعل بك ..؟ 

أجيبها بلا ندم أو خوف أنّ الله محبة 

وأعلمُ أنّه يعلمْ أنّي أُحبه .. 

خمسون عاما من التعب 

وها أنا أغيب في دهاليز الليل وحدي ! 

لا شيءٍ يلملمني سوا رائحة أمي 

غاب عني الجميع 

ووحده التفت نحوي يقول: 

وكذلك ننجي المؤمنين .. 

أتدري تبدو إلىَّ الآن ملامحك غائمة بعض الشيء ..، 

كنت أخفيت صورتك في خابية الأحلام 

والآن أبحث في فوضى الحواس 

عن جملة مفيدة تحملني إليك متعمّدة ! 

متعبة وحرّاس النوايا أصيبوا بالعمى ..، 

وهذا اللون الرمادي لا أجيد قرائته،

طالما أعطيته ظهري ليمنحني 

سَترُه وعافيته .. 

هل حقا لا شيء تغير فيَّ أبدا ؟ 

فبعض الوقت يسقط منا سهوا ..! 

يحدث أن يجيئ رسول الخلاص ويقول: 

لترتقي عليكِ أنْ تغادري الظلال .. 

ونسي أنّي لا أعرف غيرها 

لقد كنتِ وَحدَك تكبرين حرفا في كتاب الغواية .. 

لا تخشينَ لعنة الكبار ولا فتوحات الرجولة .. 

وَحدكِ انتظرتِ درويشا حين قال: 

انتظرها بكأس الشراب المرصّع باللازورد .. انتظرها ..! 

وتَشبهينَ برتقالَ قلبي محملةً بشوق كبير  

خرجتُ يوما كمن يقطف غيمةً 

وأصابعي ترتجف ..

ونداءٌّ بعيد ينادي يا صاحبي لا تحزن 

أتيتكِ في الوقت الذي أريد .. 

ونجمةٍ تَفلتُ بين كفّيّ كفراشة

هل يحملُ جناحيكِ قلبي يا صغيرة ..؟

هاربة كالنور في عرض السماء 

فلا يأفلُ عمري في ربيع واحد ..

قضيت معها زمنا ألعقُ الرحيق 

وأخشى الطائرَ الجريح كلما عاد 

ليقف قِبالةَ النهر ..

هذا الغريب أبدا .. 

يتحسس رذاد الماء 

يحلّق فوق رأسي .. 

أسمعه يغنّي شدْوهُ الشجي

تغريني النغمات 

ويغريني أيضا هذا البوح ..! 

على خوفي .. لم أغلق حواسّي الخمس 

قلبه قوس قزح محاطٌ بهالة النور

أغمضت قلبي أدَّعيكَ طيفا من الخيال

فكنت كل الوجوه الحاضرة .. 

يا سيد الشمس مميتٌ ذاك الغياب 

لو تعلمْ..! 

وصايا القلب لا تموت

لا شيء في الأقدار يستقيم 

قاصر من ظن شيئا مستحيل

فكل ما على الأرض مآله اشتهاء .. 


Post a Comment

أحدث أقدم