بقلم :هيثم المغيربي
في مسيرة الحياة، يواجه كل منا مواقف تتطلب منه اتخاذ قرارات تعكس جوهر شخصيته. هذه القرارات تتأرجح بين الكرم والمكر، وكل منها يحمل في طياته قيمًا ودلالات عميقة. لكن كيف يمكن للإنسان أن يرتب نفسه بين هاتين القيمتين؟ وهل يمكن أن يكون دائمًا كريمًا دون الوقوع في فخ المكر؟ دعونا نستعرض رحلة الضمير بين الكرم والمكر، ونفهم كيف يمكن أن نكون إنسانيين بحق.
الكرم هو أحد أعظم الصفات التي يمكن أن يتحلى بها الإنسان. يعكس الكرم رغبة صادقة في العطاء دون انتظار مقابل، ويعبر عن النبل والسمو الروحي. الأشخاص الكرماء يميلون إلى مساعدة الآخرين، سواء كان ذلك من خلال تقديم المساعدة المالية، أو الوقت، أو حتى الكلمات الطيبة.
العطاء دون حدود هو سمة الكرماء، حيث يمنحون بسخاء دون النظر إلى ما سيحصلون عليه في المقابل. يعتبر الكرم مصدر سعادة داخلية، حيث يجد الشخص الكريم لذة في مساعدة الآخرين وتحقيق الفائدة لهم. بناء الروابط الاجتماعية هو أيضًا أحد نتائج الكرم، حيث يعزز العلاقات الإنسانية ويخلق جوًا من الثقة والاحترام المتبادل. في المجتمعات التي تشجع الكرم، نجد أفرادها يتعاونون ويتكافلون في الأوقات الصعبة. ومن خلال الكرم، يجد الشخص الكريم تطورًا في روحه ورضا داخليًا، حيث يرى أثر عطائه الإيجابي على الآخرين والمجتمع ككل.
على النقيض من الكرم، يأتي المكر ليعبر عن الجانب المظلم من النفس البشرية. المكر هو القدرة على التلاعب بالآخرين واستغلالهم لتحقيق مصالح شخصية بطرق غير أخلاقية. الماكر يستخدم الحيل والخداع للوصول إلى أهدافه، دون النظر إلى الأضرار التي قد يلحقها بالآخرين. هذه السلوكيات تخلق بيئة من الشك وعدم الثقة. وقد يحقق الماكر مكاسب سريعة ومؤقتة، لكنه يخسر على المدى الطويل، حيث يفقد احترام وثقة الآخرين. المكر يؤدي إلى تفكك العلاقات الاجتماعية وتوترها، حيث يصبح من الصعب بناء روابط قائمة على الصدق والاحترام.
رحلة الضمير هي المسار الذي يسلكه الإنسان في تحديد قراراته وسلوكياته بين الكرم والمكر. هذه الرحلة ليست سهلة، فهي تتطلب وعيًا ذاتيًا ونضجًا أخلاقيًا. قبل اتخاذ أي قرار، يجب على الإنسان أن يفكر في تأثير أفعاله على الآخرين. هل يساهم قراره في بناء الثقة والعلاقات الإيجابية، أم يسبب الأذى والاستغلال؟ القيم والمبادئ الأخلاقية هي البوصلة التي توجه الإنسان نحو السلوك الصحيح. التمسك بالصدق والنزاهة يعزز من قدرة الشخص على التحلي بالكرم والابتعاد عن المكر. الحياة مليئة بالدروس والعبر، والإنسان الذكي هو من يتعلم من تجاربه وتجارب الآخرين، ويعمل على تحسين نفسه باستمرار.
في ختام هذه الرحلة بين الكرم والمكر، يتضح أن الخيار بينهما ليس مجرد قرار عابر، بل هو اختيار يعكس جوهر الشخصية وضمير الإنسان. الكرم هو الطريق الذي يعزز من إنسانيتنا ويجعلنا نساهم في بناء مجتمعات قوية ومترابطة. المكر، على الرغم من مغرياته المؤقتة، يؤدي إلى العزلة وفقدان الثقة.
لذلك، فلنكن إنسانيين بحق، نختار الكرم كقيمة أساسية في حياتنا، ونتجنب المكر بكل أشكاله. بهذا، نصنع لأنفسنا وللآخرين حياة أفضل، مليئة بالثقة والمحبة والتعاون.
إرسال تعليق