الكاتبة لين علي
مَع كُوبٍ مِنَ القهوةِ و الكثيرُ مِنَ الأرقِ وَ الأوراقِ المبعثرةِ في كُلِّ أنحاءِ الغرفةِ يرّحبُ بالفجرِ ٬ يتّجهُ إلى شرفَةِ منزلهِ المطلّةِ عَلى حيٍّ قديمٍ ٬ يرافقهُ صوتُ فيروز مِن غُرفتهِ إلى الشّرفةِ مع مقطعِها الشّهير " خدني على بلادي" ٬ مع هذه الكلمات تتسلّلُ إلى أنفِه رائحةُ الياسمين ٬ وبطقوسٍ مقدّسةٍ يضمّهُ طيفُ معشوقَتهِ الأولى ٬ تبدأُ الذّكريات تضربُ رأسهُ كضربِ أمواجِ يمٍّ لصخورِ الشّاطئ ٬ يبدو أنّ عَقلهُ بدأَ يتفتّتُ كتفتّت تلكَ الصّخور ٬ أرهقهُ البُعد .
صوتُ أصدقائِه في الحيّ ٬ أمّه تناديه من بعيد ٬ جرسُ المدرسةِ القديمةِ ٬ رائحةُ دارهِ ٬ وَ رائحةُ القهوةِ وَ خبزِِ التّنور ...٬ كل هذا يتراءَى لهُ فِي أجزاءِ من الثّانية ٬ فيرمي كوبَ القهوة من يده ليتناثر قطعاً كثيرةً ٬ ويكون ُ المحزنُ في الأمرِ أنَّ الشّبيه َ الوحيدَ لهذا الكوبِ قلبهُ .
هل يَا تُرى العشقُ الأول ُ يبعثُ في النّفس كلّ هذا التّشتت والضّياع؟! ٬ نَعم ... عندما تكونُ البلادُ هي المعشوقُ الأوّل فكلُّ عذاب ٍ في بُعدِها قليلٌ ٬ كلّ كأسٍ يُشربُ فِي بلاد ِ الغُربةِ علقمٌ ٬ كلّ لَحنٍ يُعزفُ حزين ٬ لا خبزاً يقيتُ و لا ماءاً يروي الظمأ ٬ سنين ُ الغُربة ِ سنين ٌ عجافٌ لا خير َ فيها ٬ في أرض البلاد تستكينُ الرّوح وفِي بُعدهَا لا تتلاقَى الأجفانُ أبداً ٬ لعن َ اللّٰـه تلكَ المسافات التي تفرقُ الرّوحَ عن الجسدِ ٬ مَا بالُ هذي الرُّوح قَد عَلِقت هُناك و تركته ُ في بلاد الغربةِ يتجرّع ُ الألَم ؟! .
إرسال تعليق