الكاتبة فريزة محمد سلمان
كنت عاتبة عليه، دائما مشغول، يذهب إلى عمله قبل أن أصحو، وعندما يعود يأكل وينام، قليلة هي اللحظات التي يتأبطني فيها، ونذهب ليشتري لي مالذ وطاب،ولكنني كنت أشتاق له،وأريد المزيد من وقته.
يوم الجمعة أجمل الأيام عندنا ، فهو معنا دوما، في البيت والأرض الصغيرة التي نملكها والتي تؤمن لنا الخضار وبعض الفاكهة، والتي نعمل بها سوياَ، في ريّ المزروعات ونسابقه في قطاف ما يثمر منها، يلقي علينا بعض الحزازير، ويضحك من تسرعنا،ويكافئ أسرعنا بديهة، وكم كانت حكاياته جميلة، تلك التي كان يحكيها لنا وقت القيلولة تحت شجرة التوت.
كان بطلي المفضل " سعلاي الدين*" كما يلفظه أبي وكم كنا نضحك ونصحح له الاسم.
_ ابي اسمه علاء الدين
_ فيضحك ويقول فقط عملته سيد.
أبي له أسلوب طريف في القص يشدنا إلى القصة، حتى أننا ننفعل مع البطل، ونتمنى أن نمد له يد المساعدة، لنخرجه من المأزق، أو نفرح لوصوله إلى خاتمة كما نرجو.
لم أكن أعلم نوع العمل الذي يعمله والدي والذي يرجع منه متعبا ومنهكا، وكلما قلنا له خذنا معك إلى العمل، ومنه إلى السوق لنشتري ملابس لنا، كان يتحجج بأن عمله يتطلب الجهد ولايمكننا مرافقته، يقول لنا سأسجل طلباتكم على المفكرة
وتكرّ طلباتنا لتملأ الصفحة.
يطلب من أمي بكرة خيطان ويبدأ بأخذ مقاساتنا.ويسجلها جنب كل اسم.
مساء اليوم التالي تكون طلباتنا بين أيدينا نتلقفها بفرح، ونجربها أمامه حتى قبل أن يجلس على طاولة الغداء.
في أحد الأيام رجعنا من المدرسةظهرا، وكنا فرحين أخيراً سيعبد الطريق إلى المدرسة.
ورشة كبيرة من العمال والآليات تعمل على مد الإسفلت، يفرشه العمال بمعاولهم، لتأتي المدحلة وتسويه بثقلها، فيصبح أسودا،أملساً ومستقيما.
كان أبي أحدهم، لمحته عن بعدٍ،يعمل بجد ونشاط رغم أشعة الشمس اللاهبة والإسفلت الذائب، الذي يحرق الأقدام وتأتي الأحذية الطويلة، المصنوعة من الكاوتشوك لتزيد الأقدام حروقاً، حينها عرفت لماذا كانت أمي تحضر له "الطشت" وفيه الماء والملح عند عودته كل يوم ليغسل رجليه اللتين كانتا تبدوان متورمتين، قبل أن تضع له طعام الغداء.
كانت تصر أمي أن نتناول الطعام فور عودتنا من المدرسة فنأكل وننهي واجباتنا المدرسية قبل عودته، لتتفرغ له ولتأمن له الراحة والهدوء.
من يومها كبر أبي بعيني كثيراً، وعلمت كم التعب الذي يبذله لنحصل على مانريد من أشياء جميلة.
* سعلاي الدين: السيد علاء الدين
إرسال تعليق