بقلم : محمد صافية
فِي عَالَمِ التَّعْلِيمِ، هَلْ نَخْتَارُ المُعَلِّمَ أَمِ المَنْصَّةَ؟ هَلْ يَعْتَمِدُ النَّجَاحُ عَلَى حِفْظِ المَعْلُومَاتِ أَمْ فَهْمِهَا؟ وَكَيْفَ يُمْكِنُ لِلطَّالِبِ التَّغَلُّبُ عَلَى العَقَبَاتِ النَّفْسِيَّةِ وَالأَكَادِيمِيَّةِ الَّتِي تَعْتَرِضُ طَرِيقَهُ؟
تَتَّجِهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّصَائِحِ التَّعْلِيمِيَّةِ اليَوْمَ إِلَى إِعَادَةِ الشَّغَفِ بِالتَّعَلُّمِ وَاخْتِيَارِ الأُسْلُوبِ المُنَاسِبِ لِكُلِّ طَالِبٍ. فَالاِخْتِلَافَاتُ الفَرْدِيَّةُ بَيْنَ الطُّلَّابِ تَجْعَلُ أُسْلُوبَ التَّدْرِيسِ أَوِ المُعَلِّمِ نَفْسِهِ عَامِلًا حَاسِمًا فِي بِنَاءِ عِلَاقَةٍ إِيجَابِيَّةٍ مَعَ الدِّرَاسَةِ، حَيْثُ تُؤَكِّدُ الأَبْحَاثُ التَّرْبَوِيَّةُ أَنَّ تَوْجِيهَ الطَّالِبِ لاِخْتِيَارِ المُعَلِّمِ الَّذِي يُنَاسِبُ أُسْلُوبَهُ الشَّخْصِيَّ يَنْعَكِسُ عَلَى جَوْدَةِ تَحْصِيلِهِ. فَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ مُجَرَّدَ مَنْصَّةٍ أَوْ فِيدْيُوهَاتٍ تَعْلِيمِيَّةٍ؛ بَلْ هُوَ تَفَاعُلٌ شَخْصِيٌّ وَفَهْمٌ حَقِيقِيٌّ. وَحِينَ يُدْرِكُ الطَّالِبُ أَنَّ هُنَاكَ مُدَرِّسًا يَسْتَوْعِبُ أُسْلُوبَهُ، يَسْهُلُ عَلَيْهِ خَوْضُ رِحْلَةِ التَّعَلُّمِ بِطَاقَةٍ وَحَمَاسٍ أَكْبَرَ.
وَمِنْ هُنَا، تَأْتِي أَهَمِّيَّةُ إِعَادَةِ الشَّغَفِ بِالدِّرَاسَةِ بَعْدَ فَتْرَاتِ الإِحْبَاطِ، خَاصَّةً فِي مَرَاحِلَ كَمَرْحَلَةِ التَّوْجِيهِيِّ، حَيْثُ يُعْتَبَرُ هَذَا العَامُ مَحَطَّةً مُهِمَّةً فِي حَيَاةِ الطُّلَّابِ. كَثِيرُونَ يَصِلُونَ إِلَى لَحْظَةٍ يَشْعُرُونَ فِيهَا بِأَنَّهُمْ فَقَدُوا الحَمَاسَ نَحْوَ الهَدَفِ، غَيْرَ مُدْرِكِينَ أَنَّ الشَّغَفَ هُوَ مِفْتَاحُ الإِنْجَازِ. فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ، يَحْتَاجُ الطُّلَّابُ إِلَى تَذْكِيرِهِمْ بِأَهْدَافِهِمْ بَعِيدَةِ المَدَى، وَبِأَهَمِّيَّةِ كُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُونَهَا نَحْوَ النَّجَاحِ. فَالتَّفَوُّقُ لَيْسَ سِوَى تَرَاكُمٍ لِخُطُوَاتٍ صَغِيرَةٍ، قَدْ تَبْدُو بَسِيطَةً لَكِنَّهَا تَقُودُ فِي النِّهَايَةِ إِلَى الإِنْجَازِ الكَبِيرِ.
التَّقْنِيَاتُ الفَعَّالَةُ فِي التَّعَلُّمِ:
إِذَا اِنْتَقَلْنَا إِلَى آلِيَّاتِ الاِسْتِذْكَارِ، نَجِدُ أَنَّ اِسْتِخْدَامَ تَقْنِيَاتِ الاِسْتِذْكَارِ السَّرِيعِ، مِثْلَ مُرَاجَعَةِ الدُّرُوسِ بانتِظَامٍ، يُعَدُّ مِنَ الأَسَالِيبِ الَّتِي تُعَزِّزُ ثِقَةَ الطَّالِبِ بِنَفْسِهِ، وَتُمَكِّنُهُ مِنْ تَثْبِيتِ المَعْلُومَاتِ فِي ذَاكِرَتِهِ. وَتَأْتِي هُنَا تَقْنِيَةُ "321"، الَّتِي تَتَطَلَّبُ مِنَ الطَّالِبِ قِرَاءَةَ المَعْلُومَةِ وَتَكْرَارَهَا وَكِتَابَتَهَا، لِتَثْبِيتِهَا فِي الذَّاكِرَةِ طَوِيلَةِ الأَمَدِ، مَا يُسَاعِدُ فِي تَمْيِيزِ الفَهْمِ عَنِ الحِفْظِ. فَالطَّالِبُ الَّذِي يَهْدِفُ إِلَى فَهْمِ المَادَّةِ يَكْتَسِبُ أَسَاسًا مَعْرِفِيًّا أَعْمَقَ وَأَكْثَرَ ثَبَاتًا مِنَ الطَّالِبِ الَّذِي يَعْتَمِدُ فَقَطْ عَلَى الحِفْظِ.
الطُّرُقُ الذَّكِيَّةُ لِإِدَارَةِ الوَقْتِ وَالتَّغَلُّبِ عَلَى التَّرَاكُمِ الدِّرَاسِيِّ:
يُوَاجِهُ كَثِيرٌ مِنَ الطُّلَّابِ تَحَدِّيَ التَّرَاكُمِ الدِّرَاسِيِّ، خَاصَّةً عِنْدَ اقْتِرَابِ الاِمْتِحَانَاتِ، فَيَجِدُونَ أَنْفُسَهُمْ أَمَامَ جَبَلٍ مِنَ المَوَادِّ غَيْرِ المُنْجَزَةِ. هُنَا، يُنْصَحُ الخُبَرَاءُ بِضَرُورَةِ وَضْعِ خُطَّةٍ يَوْمِيَّةٍ وَأُسْبُوعِيَّةٍ تُقَسِّمُ المَهَامَّ حَسَبَ الأُولَوِيَّاتِ، مَعَ مُرَاعَاةِ البَدْءِ بِالمَوَادِّ الصَّعْبَةِ أَوَّلًا. كَمَا يُنْصَحُ الطُّلَّابُ بِتَبَنِّي خُطَّةِ "الجَدْوَلِ العَكْسِيِّ" عَبْرَ دِرَاسَةِ المَوَادِّ بِشَكْلٍ يُنَاسِبُ تَرْتِيبَ اِمْتِحَانَاتِهِمْ فِي جَدْوَلِ الوِزَارَةِ، مِمَّا يُعَزِّزُ فُرَصَ النَّجَاحِ وَيُقَلِّلُ مِنَ التَّوَتُّرِ.
الاِسْتِفَادَةُ مِنَ التَّنَوُّعِ فِي مَصَادِرِ التَّعَلُّمِ وَمَهَارَاتِ اللُّغَةِ:
لَا يُمْكِنُ إِغْفَالُ دَوْرِ المَصَادِرِ المُتَنَوِّعَةِ فِي تَحْقِيقِ فَهْمٍ أَعْمَقَ لِلْمَادَّةِ، فَالدِّرَاسَةُ مِنْ مَصَادِرَ مُتَعَدِّدَةٍ - سَوَاءٌ الكُتُبِ أَوِ الفِيدْيُوهَاتِ التَّعْلِيمِيَّةِ - تَفْتَحُ أَمَامَ الطَّالِبِ زَوَايَا جَدِيدَةً لِلْفَهْمِ. الفَهْمُ المُتَكَامِلُ لِلْمَادَّةِ يَعْنِي القُدْرَةَ عَلَى اسْتِيعَابِ المَعْلُومَاتِ مِنْ عِدَّةِ جَوَانِبَ، وَتَدْعِيمِهَا بِأَمْثِلَةٍ إِضَافِيَّةٍ، مِمَّا يَجْعَلُهَا أَكْثَرَ رُسُوخًا. هَذَا يَنْطَبِقُ أَيْضًا عَلَى تَعَلُّمِ اللُّغَاتِ، حَيْثُ تُؤَكِّدُ الدِّرَاسَاتُ الحَدِيثَةُ وُجُودَ فُرُوقٍ بَيْنَ الجِنْسَيْنِ فِي تَعَلُّمِهَا؛ إِذْ تَمِيلُ الإِنَاثُ لِلتَّعَلُّمِ عَبْرَ التَّرْكِيزِ عَلَى التَّفَاصِيلِ، بَيْنَمَا يَسْتَفِيدُ الذُّكُورُ مِنَ التَّطْبِيقَاتِ العَمَلِيَّةِ، مِمَّا يُبْرِزُ أَهَمِّيَّةَ الأُسْلُوبِ فِي اكْتِسَابِ اللُّغَةِ بِفَعَّالِيَّةٍ.
التَّقْنِيَاتُ الحَدِيثَةُ: نِعْمَةٌ أَمْ تَحَدٍّ؟
فِي ضَوْءِ التَّطَوُّرِ السَّرِيعِ لِلتِّكْنُولُوجِيَا، أَصْبَحَ التَّعْلِيمُ الحَدِيثُ يَعْتَمِدُ عَلَى أَدَوَاتٍ وَوَسَائِلَ تَفَاعُلِيَّةٍ تُسْهِمُ فِي تَسْهِيلِ الدِّرَاسَةِ وَتَسْرِيعِ الوُصُولِ لِلْمَعْلُومَةِ. غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الأَدَوَاتِ تُضِيفُ ضَغْطًا عَلَى الطُّلَّابِ أَحْيَانًا بِسَبَبِ كَثَافَةِ المُحْتَوَى وَسُهُولَةِ الوُصُولِ إِلَى المَصَادِرِ، مَا قَدْ يَزِيدُ مِنَ التَّوَتُّرِ حَوْلَ الإِنْجَازِ، لِيَبْقَى السُّؤَالُ الأَهَمُّ: هَلْ التِّكْنُولُوجِيَا تُسَهِّلُ فِعْلًا عَمَلِيَّةَ التَّعْلِيمِ، أَمْ تَجْعَلُهَا أَكْثَرَ تَعْقِيدًا؟ هَذِهِ الإِشْكَالِيَّةُ تَدْعُو لِلْبَحْثِ عَنْ تَوَازُنٍ فِي اسْتِخْدَامِ التِّكْنُولُوجِيَا كَأَدَاةٍ مُسَاعِدَةٍ، دُونَ الاِعْتِمَادِ الكُلِّيِّ عَلَيْهَا.
خِتَامًا،
التَّعْلِيمُ رِحْلَةٌ شَخْصِيَّةٌ فَرِيدَةٌ، تَتَطَلَّبُ مِنَ الطَّالِبِ أَنْ يَعْرِفَ أُسْلُوبَهُ المُفَضَّلَ، وَيَبْحَثَ عَنْ شَغَفِهِ، وَيُحَدِّدَ أَهْدَافَهُ، وَيَخْتَارَ الأَسَالِيبَ الَّتِي تُسَاعِدُهُ عَلَى الاِسْتِمْرَارِ. فَبِقَدْرِ مَا تُوَفِّرُ لَنَا التِّكْنُولُوجِيَا مِنْ إِمْكَانِيَّاتٍ، يَبْقَى نَجَاحُ الطَّالِبِ الحَقِيقِيُّ قَائِمًا عَلَى فَهْمِهِ العَمِيقِ وَاهْتِمَامِهِ الحَقِيقِيِّ بِالمَادَّةِ الَّتِي يَدْرُسُهَا، وَعَلَى اِسْتِعْدَادِهِ لِلالْتِزَامِ وَتَجَاوُزِ التَّحَدِّيَاتِ بِأُسْلُوبٍ عِلْمِيٍّ وَإِيجَابِيٍّ.
إرسال تعليق