الكاتبة سالي عماد صالح
في قريةٍ صغيرةٍ تحتضنها الجبالُ من كلِّ جانبٍ، عاشت "أمل"، فتاةٌ تبلغُ من العمرِ أربعةَ عشرَ عامًا. كانت أملُ مختلفةً عن أقرانها؛ فتميّزتْ بحبِّها للقراءةِ والتأملِ في الطبيعةِ أكثرَ من اللعب. كانت أحلامُها كبيرةً، تسعُ أعوامَ عمرها كلَّها وتسعُ كلَّ أقرانها، لكنها كانت تدفنها في أعماقِ قلبها خوفًا على ذاتِها، لأنَّ الحياةَ في القريةِ بدت وكأنها تُصرُّ على أن تُبقي الجميعَ في حدودِ ما يعرفونَه.
ذاتَ يومٍ، سمعت أملُ من جدَّتِها حكايةً عن طريقٍ سرّيٍ مخفيٍّ في الجبال، يُقال إنه يقود إلى مدينةٍ مليئةٍ بالفرصِ، حيثُ تتحقّقُ الأحلامُ، وتزدهرُ الأيامُ، وتتزيَّنُ بالنجاحات. كانت الحكايةُ تبدو وكأنها خرافة، لكن كلماتِ جدّتها أشعلت شعلةَ الرغبةِ في الإنجازِ في قلب أمل. لم تستطع أمل تجاهلَ ما سمعتْه. بدأت تخطّطُ سرًا لاكتشافِ هذا الطريق. كانت تخشى ردَّ فعلِ والديها إذا عرفا، لكنَّ شعورَها الداخليَّ الذي كان بمثابةِ قوّةِ جيشٍ بأسره، وبقوّةِ أحلامِ الجميعِ، جعل رغبتها أقوى من الخوف. جمعت بعضَ الماءِ والطعامِ، ووضعت كتابًا مفضلًا لها في حقيبةٍ صغيرة، وانطلقت في صباحٍ باكرٍ قبل أن يستيقظَ أحد. تعمَّقتْ في الجبال، وبدأت تشعر بالخوفِ عندما بدأتِ الظلالُ تطولُ والطرقاتُ تضيق. لكنها تذكَّرت كلماتِ جدتها: "من يملكُ الشجاعةَ لن يضيعَ في الطريق." استمرت في السير حتى وصلت إلى شجرةٍ ضخمةٍ، كان محفورًا عليها رموزٌ غريبة. أدركت أنها العلامةُ التي تحدثت عنها الجدة. بينما كانت تتأمل الرمزَ، سمعت صوتًا خلفَها. استدارت لتجد رجلًا مسنًا يحمل عصًا خشبية. قال لها بصوتٍ هادئ:
"أنتِ تبحثين عن مدينةِ الأحلام، أليس كذلك؟"
تراجعت بخطواتٍ هادئةٍ خائفة، تملؤها الحيرة، وفي ذاتِ اللحظة شعرت بنبرةِ دفءِ وانتصارٍ في صوتِه. سألته:
"كيف تعرف؟"
ابتسم وقال:
"أنا كنتُ مثلكِ يومًا ما. لكن تذكّري، الطريقُ ليس كما يبدو. المدينةُ ليست مكانًا خارجيًا، إنها داخلُ قلبِك وعقلِك."
اندهشت أمل من كلماتِه، لكنها شعرت بقوّةٍ غريبةٍ تملأُها. شكرته واستمرت في السير، حتى أدركت فجأةً أن الطريق يقودها إلى القريةِ نفسِها التي غادرتْها.
عادت أملُ إلى قريتها، لكنها لم تعد كما كانت. أدركت أن مدينةَ الأحلام ليست مكانًا بعيدًا، بل هي القدرةُ على تحويلِ حياتِها في مكانِها. بدأت تشاركُ حبَّها للقراءةِ مع أطفالِ القرية، وأسست مكتبةً صغيرةً من الكتبِ التي كانت تستعيرها من المدن المجاورة.
لم يكن الطريقُ مجردَ رحلةٍ بين الجبال، بل كان طريقًا إلى ذاتِها، إلى اكتشافِ قوتِها الحقيقية.
"كل الحكاياتِ العظيمة تبدأ من الداخل"، قالتها أمل لنفسِها وهي تبتسم.
وأدركتْ في نهايةِ الأمر أن النجاحَ يبدأُ من الداخل، وأن الإصرارَ هو النجاح، والرغبةَ هي الانتصار. فنحن بحاجةٍ إلى هذا الطريقِ الذي يقودنا إلى أنفسِنا لنبحرَ في ذاتِنا حتى نجدَ الانتصارَ حولنا.
إرسال تعليق