للكاتبة رغد الشبول
#القصة الفائزة بالمركز الاول لمسابقة جامعة اربد الاهلية
كانت ليلة باردة في غزة. السماء مظلمة كأنها تشارك المدينة في حدادها. في أحد الأزقة الضيقة، جلست سلمى ذات الأعوام الثمانية بجانب أخيها الصغير آدم، تحاول أن تغطيه ببطانية مهترئة لم تعد تقيهما برد الشتاء ولا قسوة الأيام.
"هل ستعود أمّي يا سلمى؟" سألها آدم بصوت مرتجف.
نظرت إليه بعينيها الممتلئتين بالدموع التي حاولت كتمانها، وابتسمت رغم الألم:
"نعم يا آدم، أمّي ذهبت فقط لتحضر لنا الأمان، وستعود قريبًا."
لكن سلمى كانت تعلم أن أمّها لن تعود. لقد دفنتها قبل أسبوع تحت أنقاض المنزل الذي دمره القصف. منذ ذلك اليوم، أصبحت الأم والأخت والحامية لأخيها الصغير.
في تلك الليلة، وبينما كان آدم يغط في نوم متقطع، سمعت سلمى صوت الطائرات يحلق مجددًا. شعرت بالخوف يجتاحها، لكنها لم تفكر في نفسها؛ كل ما أرادته هو حماية آدم. حملته بين ذراعيها وركضت به إلى ملجأ قريب، مكان اعتادت العائلات الاحتماء به خلال الغارات.
لكن هذه المرة، كانت سلمى متعبة. كل خطواتها كانت ثقيلة، وكأنها تحمل على كتفيها كل حزن العالم. وقبل أن تصل، دوى انفجار هائل. سقطت سلمى على الأرض، والغبار غطى كل شيء.
عندما فتحت عينيها، شعرت بألمٍ شديد في ساقها، لكنها لم تهتم. نظرت حولها تبحث عن آدم، ووجدته بين ذراعيها، يحدّق بها بعيون بريئة لا تفهم ما حدث.
"هل نحن في السماء يا سلمى؟" سألها بصوت هادئ.
"ليس بعد، يا صغيري. لكننا قريبون جدًا."
في تلك اللحظة، رأت سلمى شيئًا غريبًا. وسط الأنقاض والغبار، ظهر أمامها رجل عجوز ذو لحية بيضاء ووجه مشرق. كان يحمل بين يديه جناحين صغيرين.
"سلمى، هل ترغبين في الطيران بعيدًا عن الألم؟" سألها بصوت دافئ.
نظرت إليه بتردد، ثم نظرت إلى آدم، وقالت:
"لن أترك أخي وحده."
ابتسم الرجل وقال:
"لن تتركيه. الجناحان لكما معًا."
فجأة، شعرت سلمى بخفة عجيبة. نظرت إلى آدم، الذي ابتسم لأول مرة منذ أيام. حملته بين ذراعيها، وبدأت تشعر أنها ترتفع. كانت ترى المدينة من الأعلى، الأنقاض تتحول إلى بيوت جميلة، والأصوات القاسية تتحول إلى أغاني سلام.
وفي صباح اليوم التالي، عثر الجيران على جسدي سلمى وآدم تحت الأنقاض. لكنهما كانا يحتضنان بعضهما، ووجهيهما يحملان ابتسامة هادئة.
حكى أحد الشهود لاحقًا أنه رأى في تلك الليلة طائرين صغيرين، بأجنحة بيضاء، يحلقان بعيدًا عن غزة، يحملان معهما أملًا جديدًا بأن ينتهي الألم يومًا ما.
إرسال تعليق