المجتمع: الحاضنة الخفية للجريمة

 


 بقلم صهيب المياحي

كل مجرم ينشأ في أي مجتمع، ليس هو وحده مسؤول عمّا آلت له نفسه من نهاية مروعة، هناك مجتمع كامل ساهم في نشوء هذا المجرم، عوامل كثيرة دمرت فطرته السوّية وأخرجت منه هذا الكائن المشوّه. 

ابتداءً من أسرة مفككة يعيش فيها الطفل حياة قاسية، ومحيط إجتماعي عنيف يزيده غلاظة، ثم ميدان عمل وحشيّ أو بطالة مدمرة، ثم زواج دون إكتمال شروط الحياة الممكنة، بعدها تزداد الاختناقات ويأتي الأبناء وتتراكم الظروف المولدة لدوافع الجريمة، وهكذا تنمو شعيرات الإجرام حتى تنفجر. 


وإذا ما رافق ذلك غياب القيم التربوية، يحدث أن تستفرد النوازع الشريرة بالكائن فيتخلق المجرم، ويخرج اللص، وقاطع الطريق، والقاتل، وفي هذه اللحظة، حين يكون المجرم قد اكتمل والجريمة قد حدثت، يصيح الجميع ويضربون رؤوسهم مندهشين مما حدث. 

إننا دائمًا لا نتنبه لجذور الإختلالات في حياتنا إلا حين تفاجئنا حوادثها الظاهرة، أي أننا لا نملك حساسية استشعار لترميم جروح نفوسنا من بدايتها، وغالبًا لا يلفتنا إلا الفصل الأخير من الرواية، وتلك مأساتنا الإجتماعية في كل ميادين حياتنا. 


هذا بالبطبع لا يبرر للمجرم، فهو يتحمل مسؤولية عمله؛ لكننا كمجتمع خصب لنشوء المجرمين، نتحمل مسؤولية إجتماعية عن هذا التسوس الذي ينمو في أوساطنا ونحن في غفلة لا يوقظنا شيء، حتى يقع الفأس فيوجعنا، عندها نخرج للنحيب ولطم الخدود، كما تفعل الأرامل وفاقدي الحيّل والبلداء الذين أهملوا أنفسهم زمنًا طويلًا، وحين ظهرت نتيجة رسوبهم في إمتحان الحياة السوية، عضّوا أصابع الندم وظلوا مصعوقين من هول النتيجة.




Post a Comment

أحدث أقدم