امرأة الملح

 




 الاديبة قمر عبد الرحمن 

نتقن الحياة في حطامنا

نطعم الطّيور، ونبني الأعشاش بين خيامنا

يهرب الكلّ من لمحنا كما نريد، وتنام الأخوات أمام بحر دمنا 

ويهزون بأيديهنّ سرير القتل شمالًا وجنوبًا

نبحث عن أسمائنا المكتوبة على أشلائنا، يبعثرنا صاروخٌ آخر، نلتقي بأنفسنا بجوار الأنبياء، وينتهي البحث!


لا الرّيح ترفعنا ولا الموج، لا يرفعنا إلّا الموت 

أصوات الأحياء تزعجنا حينما يتكلّمون عن السّلام

والقصف لا ينام

البحر يحمل الشّهداء في ممرٍّ فضيٍّ نحو القمر، 

ليُرشدوا من لم يحالفهم الحظّ بالموت نحو الطّريق المضيء!

 

غريبٌ يتبادل مع غريبٍ آخرٍ، 

آخرُ خطب الإدانة والاستنكار

والبحر ثابتٌ وصامتٌ كوصايا الموت!


وأنا لم أكن هناك، كنت هنا على يمين الوجع 

أمرّن قلبي على استيعاب خيبتي منكَ يا غريب..

علّق سلاحك المُغبر على حائط كتفك

ولا تنفض الغبار عنه بحجّة مزاجك في أداء الصّلاة في الأرض المقدّسة!

لو كنت صادقًا لأخذت عنّا الموت يا عابد الحياة.. 

اكتب إن استطعت عن شجاعة الشّعوب،

واتركنا تحت الموت نسرق منامًا سماويًّا 

رأيتنا.. نعم رأيتنا!

قتلتنا.. وما زلت تحاول!

ثمّ ورّثت القتل لمن يشبهك من بعدك

كي يزداد هذا البحر زبدًا أحمر!


وأنا يا غريب، ما زلت أنا

أعرفكَ بلونك المفضّل الذي ترتديه على الدّوام 

دمٌ، ودمٌ، ودم 

وأنتَ تعرفني باللّون الذي يرتديني كلّ الأعوام 

زعترٌ، ونعنعٌ، وزيتون


أنا كما أنا في الماضي وفي الحاضر، ألا تراني 

أزداد ضياءً، وفاءً لمستقبلي الذي يراني بوضوح!


الأنبياء منحوني وهجهم رغم بُعد السّماء

والبحر يفتش عن نفسه بين ازدحام الموت وسجود الأبنية!

غاب الشّجر والظّلّ والتّنهيد

لم يبق إلّا الحجر والحديد والتّنديد


كم من مرةٍ سنمرّ بأهوال القيامة يا أمّي؟ 

أم نحن شعب الأساطير الذي لا يموت يا أبي!


لا ماء هنا.. والنّار أشعلت جوفنا والغمام

لا دواء هنا.. ونحن الذين نُشفى بأصوات اليمام 

لا زاد هنا.. بَعد زاد الكرامة، ما حاجتنا للطّعام؟


ما قيمة المرايا، إن لم تجد نفسك فيها؟ 

لكَ وجهٌ واحدٌ معكَ أم عليك؟


اذهب للبحر واتخذ منه مرآةً، هو البلّور الأنقى

واجعل البحر في متناول يديكَ، حتّى يقف على رجليه هذا الرّكام


نحن كما كنّا لو انكسرنا، نرى الرّبيع أمامنا

زيتوننا أحجارٌ كريمة 

وتراثنا بانوراما حضارات قديمة


إلى امرأة الملح، الذي نخرت عظام الحرب بصمودها

ووهبت أبناءها ليتناسل هذا العلَم لكلّ العالم.


Post a Comment

أحدث أقدم