بقلم عبدالله عنان
منذ بداية الاجتماع البشري، كان للدّين والفلسفة دورٌ مهمٌ في حياة الناس، لإدراك ما لم يتم تفسيره من الظواهر الكونية والطبيعية والاجتماعية؛ إذ استطاع الدين والفلسفة الإجابةَ عن الأسئلة الحائرة التي كان تدور في خلد الإنسان قديمًا. وكانت الفلسفة الوسيلةَ العقلانية لتفسير معاني الخلق والحياة وقوى ما خلف الطبيعة، فنجحت قبل ظهور الأديان، كما في اليونان والهند والصين وغيرها، ثم جاءت الأديان لتجيب عن الأسئلة الفلسفية الخالدة، من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟!
ولكن عندما تم تحويل الدين إلى وسيلة للسيطرة على الشعوب، من قبل القصر والكنيسة، والفقيه والسلطان؛ وقع الصدام بين الفلاسفة ورجال الدين، لا بين الدين والفلسفة؛ إذ وجد رجال الدين أن الفلاسفة سيكشفون خداعهم، وسيحررون الإنسان من قيود الوهم التي كبلوه بها، فتم اضطهاد الفلاسفة من قبل السلطات الدينية والسياسية، بتهمة الهرطقة، حتى قيل لا يوجد فيلسوف قتلَ رجلَ دين، ولكن هناك العشرات من رجال الدين قتلوا فلاسفة.الدين -في تعريفه البسيط- هو عقيدة وشريعة وأخلاق. يلتزم بها المؤمن، ليعبّر عن صدق انتمائه للدين. ويتفق أتباع الملل والنحل كلهم على أن شرط التكليف الديني هو العقل أولًا. لذلك قال اللاهوتيون: “العقل مناط التكليف”. وهنا، يلتقي الدين بالفلسفة، لكن قبل ذلك ما تعريف الدين عند الفلاسفة؟
يقول سيسرون، في كتابه (عن القوانين): “الدين هو الرباط الذي يصل الإنسان بالله”. أما كانط، فقال في كتابه (الدين في حدود العقل): “الدين هو الشعور بواجباتنا، من حيث كونها قائمة على أوامر إلهية”. وقال الأب شاتل، في كتاب (قانون الإنسانية): “الدين هو مجموعة واجبات المخلوق نحو الخالق: واجبات الإنسان نحو الله، وواجبـاته نحو الجماعة، وواجباتـه نحو نفسه”.
وأما معنى الفلسفة، فما زال ملتبسًا حتى عند بعض أنصارها، وعلى محركات البحث الإلكتروني، حيث يعرفون الفلسفة بأنها “حبّ الحكمة”، والفيلسوف هو “محبّ الحكمة”. ولكن بتمحيص هذا التعريف، نكتشف أنه ليس دقيقًا. فلو رجعنا تاريخيًا إلى اللحظة التي وُلِد فيها المصطلح، فستتجلى لنا حقيقته، إذ تقول الرواية بأن مجموعة من البحارة اليونانيين، في القرن السادس قبل الميلاد، وجدوا كنزًا في بحر “إيجة”، فاتفقوا على أن هذا الكنز يستحقه أحد أصحاب الحكمة السبعة في أثينا، فجاؤوا إلى أولهم وقالوا له: “أنت صاحب الحكمة وتستحق هذا الكنز”. فقال لهم: “أنا لستُ صاحب الحكمة، ولذلك لا أستحقه”. فذهبوا إلى الحكيم الثاني، فكان جوابه كالأول، وكذلك الثالث والرابع حتى وصلوا إلى فيثاغورث الحكيم السابع: فقال لهم: “أنا لستُ صاحب الحكمة، إنما صديق الحكمة”. ومن هنا؛ جاء لقب فيلسوف أي صديق الحكمة المتواضع؛ فهي في اليونانية (فيلوش) وتعني الصديق، و(شوفيا) وتعني الحكمة.وإذا كان للدين أجوبة قطعية حول نصوص سماوية، تحتمل التأويل، فإن الفلسفة هي تساؤل مستمر عن الواقع، ومحاولة للإجابة عنه منطقيًا، فكلّ ما لا يقدر العِلم على الإجابة عنه تأتي الفلسفة والدين للإجابة عنه.
فالفلسفة هي أن تعيش حياتك بحكمة، وتفهم إيمانك بعقلانية، وتتعامل مع الأشياء برشد، وهذا مقصد رئيس من مقاصد الدين، يحاول أن يقربه لنا الفيلسوف ابن رشد، في التلاقي بين الدين والفلسفة، بقوله: هي “النظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع، وكلما كانت المعرفة بصنعتها أتم، كانت المعرفة بالصانع أتم. والأمر ذاته ذهب إليه كانط، بقوله: “إن الفلسفة هي المعرفة الصّادرة من العقل”. إذن بحسب التعريفين، نستطيع القول إن الإيمان الحقيقي يجب أن يكون عقلانيًا.
أيضآ تم تسمية فلسطين بهاذا الاسم لكي تكون أرض الحكمة، تم استنباط اسمها من كلمة فيلسوف، (فيلس) ، المقصود بها أرض الحكمة.
إرسال تعليق