المحتوى التافه في منصة الإنستغرام.. بين صعود اللاجودة وسقوط القيمة

 



 عبدو التمكي


في عصر السوشيال ميديا، حيث أصبحت المنصات الرقمية جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد، برزت ظاهرة غريبة تثير الكثير من التساؤلات والجدل، وهي تصاعد المحتوى التافه وسط ضجيج المشاهدات والمتابعات، بينما يُعاني المحتوى الهادف من ضعف الانتشار وقلة الدعم. هذه الظاهرة تبدو كأنها قاعدة جديدة يفرضها الواقع الرقمي، حيث يسيطر الترفيه السطحي على العقول، بينما يُهمل الإبداع الحقيقي.


صعود التفاهة وانحسار الجودة


منصة إنستغرام التي بدأت كفضاء بصري لمشاركة الصور والتجارب الشخصية، تحولت اليوم إلى ساحة ضخمة لصانعي المحتوى، إلا أن ما يثير الدهشة هو الهيمنة الواضحة لمحتوى يفتقر إلى العمق والجودة، مقابل تهميش واضح للمحتوى المفيد والمؤثر. فمشاهد الرقص العشوائي، والمقالب المفتعلة، والتحديات الغريبة، والمبالغة في عرض الحياة الشخصية بأسلوب استعراضي، تحصد ملايين المشاهدات والإعجابات.


أما على الضفة الأخرى، فهناك صناع محتوى يعملون بجد لنشر الفائدة، سواء في مجالات التعليم، والوعي الصحي، والتنمية البشرية، والفنون الحقيقية، والعلوم، إلا أنهم يواجهون صعوبات جمة في تحقيق الانتشار الذي يستحقونه.


من يدعم التفاهة؟


قد يُقال إن الجمهور هو من يحدد ما ينتشر، لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. فالخوارزميات تلعب دورًا كبيرًا في تحديد المحتوى الذي يصل إلى الجمهور، حيث تُفضل غالبًا المحتوى السريع والخفيف الذي يُبقي المستخدمين على المنصة لفترة أطول.


إضافةً إلى ذلك، الشركات والعلامات التجارية تجد في صناع المحتوى التافه أداة تسويقية مربحة، بسبب جماهيرهم الواسعة، مما يدفعهم لضخ الإعلانات والدعم نحو هذه الفئة، بينما يُعاني أصحاب المحتوى الجاد من قلة الرعاية والدعم المادي.


أما الجمهور، فجزء منه يبحث عن التسلية دون اعتبار للقيمة، وجزء آخر قد يكون مغيبًا بفعل سيطرة المحتوى الموجه، بينما القلة الواعية تحاول دعم المحتوى الجيد، لكنها لا تمتلك القوة العددية اللازمة لموازنته مع طوفان التفاهة.


هل هناك أمل؟


رغم هذا المشهد المحبط، لا يزال هناك صناع محتوى هادفون يحققون نجاحات ملحوظة، مستغلين الأدوات الصحيحة مثل التسويق الذكي، والتعاونات الإبداعية، وفهم الخوارزميات. كما أن الوعي المجتمعي بدأ يتزايد، ولو ببطء، تجاه أهمية دعم المحتوى القيم.


إن مسؤولية تغيير هذا الواقع تقع على عاتق الجمهور، وصناع القرار في المنصات الرقمية، وأصحاب العلامات التجارية، وحتى الإعلام التقليدي، فدعم الجودة والإبداع ليس مجرد خيار، بل ضرورة لبناء وعي مجتمعي أكثر نضجًا.


في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لإعادة توجيه اهتمامنا ودعمنا نحو ما يُثري العقول، بدلًا من مجرد ما يُلهيها؟

Post a Comment

أحدث أقدم