الدنيا دفتر وقلم.. دروس تُكتب بحبر التجربة"

 


بقلم يوسف اليامي

الدنيا دفتر وقلم نكتب فيها كل يوم صفحة جديدة نخط عليها تفاصيل حياتنا بأحبار مختلفة أحيانًا بحبر الفرح الذي يملأ السطور ضياءً وأحيانًا بحبر الألم الذي يسيل بين الكلمات كدمع لا يُرى لكنها في النهاية صفحات لا تمحى تحمل بين طياتها دروسًا وعبرًا تعلمنا من نحن وإلى أين نمضي وكيف يمكن لحرف صغير أن يغير مسار الحكاية وكيف يمكن لقرار واحد أن يرسم مستقبلًا لم نكن نحسبه وكيف يمكن لكلمة أن تهدم كل ما بنيناه وكيف يمكن لنظرة أن تصنع في القلب ندبة لا تندمل


الدنيا دفتر نبدأه بصفحات بيضاء نقيّة لكن مع الوقت تمتد فوقها خطوط الحياة بعضها مستقيم كأنه ينساب بلا عناء وبعضها متعرج كأننا نسير فوق طريق مليء بالحفر والمنعطفات نمضي ونكتب بحبر الأمل حين تبتسم لنا الأيام ونكتب بحبر الحزن حين تخذلنا ونكتب بحبر الصمت حين لا نجد الكلمات التي تترجم ما نشعر به نمضي وفي كل صفحة نتعلم درسًا جديدًا


تعلمنا الدنيا أن لا شيء يبقى كما هو أن الألوان التي نرسم بها اليوم قد تتغير غدًا أن الأشخاص الذين كتبنا أسماءهم بحروف من ذهب قد يمحونها بأنفسهم أن الدروس التي نظن أننا فهمناها قد تأتينا من جديد بوجوه أخرى وبأساليب مختلفة تعلمنا الدنيا أن لا فرح يدوم ولا حزن يستمر أن كل شيء عابر وكل لحظة تمضي لن تعود وأننا مهما حاولنا الإمساك باللحظة فإنها تفلت منا كحبات الرمل بين الأصابع


تعلمنا الدنيا أن لا نثق بوعود البشر كثيرًا ولا نبني سعادتنا على وجود أحد أن نكون لأنفسنا السند الأول والملجأ الأخير أن لا شيء يحمي القلب مثل الحكمة وأن العواطف حين تقود بلا عقل قد تأخذنا إلى طرق لا عودة منها تعلمنا أن البدايات قد تكون جميلة لكن النهايات لا تكون دائمًا كما نريد أن الأشخاص الذين اعتقدنا أنهم سيكونون معنا إلى النهاية قد يكونون أول من يرحلون أن أقرب الناس إلينا قد يصبحون غرباء في لحظة


الدنيا دفتر فيه صفحات ناصعة البياض وصفحات امتلأت بخطوط الألم والخسارة لكنها في النهاية جميعها جزء من القصة التي نصنعها بأيدينا نتعلم من الفشل أكثر مما نتعلم من النجاح ومن الفقد أكثر مما نتعلم من الامتلاك ومن الصدمات أكثر مما نتعلم من الهدوء تعلمنا الدنيا أن القوة الحقيقية ليست في عدم السقوط بل في القدرة على النهوض بعد كل مرة نتعثر فيها أن الحياة ليست عادلة لكنها دائمًا تمنحنا فرصة أخرى لنكتب فصلًا جديدًا


الدنيا دفتر والقلم في أيدينا نخط به قراراتنا نكتب به أحلامنا نرسم به ملامح مستقبلنا قد تخطئ أيدينا أحيانًا قد نكتب سطورًا نندم عليها لاحقًا قد نتمنى لو أن بعض الصفحات لم تُكتب أبدًا لكن في النهاية لا يمكننا العودة إلى الخلف كل ما يمكننا فعله هو أن نتعلم أن نحسن الكتابة في الصفحات القادمة أن نختار كلماتنا بعناية أن نتذكر أن كل صفحة نكتبها اليوم ستكون يومًا ما جزءًا من قصة تُروى فإما أن تكون قصة نفخر بها أو ندم نعيشه إلى الأبد




Post a Comment

أحدث أقدم