سِفرُ العدم: اعترافات كائنٍ لم يُولد

 



صهيب المياحي 


أنا الشاعرُ الذي لم يُولد من رحمِ القصيدة، والناقدُ الذي تلعثمت الحروفُ في فمهِ، فعجزَ عن تفسيرِ حرفٍ واحد.

أنا المعنى السجينُ في كهفِ اللغة، واللغةُ التي عجزت عن ولادةِ المعنى.

أنا الصرخةُ المبتورةُ قبل أن تُولد، والصوتُ الذي اختنقَ في حنجرةِ الريح.


أنا الحرُّ المسجونُ خلف قضبانِ ذاته، والسجينُ الذي يتنفسُ الوهمَ في ساحةِ الحرية.

أنا الوجهُ الذي صفعتهُ الشمسُ حتى تلاشى، والظلُّ الذي دهستهُ أقدامُ العابرين.

أنا الغريبُ في وطني، والمنفيُّ في جسده، والراحلُ دون أن يخطوَ خطوة.


أنا الكافرُ الذي ألقى بالحبِّ في الهاوية، والعاشقُ الذي تماهى مع الجنون حتى صار ظلَّه.

أنا الوحيُ الذي تاهَ في صحراءِ العدم، والنبيُّ الذي لم يجدْ كفًا تليقُ برسالته.

أنا الفيلسوفُ الذي طاردَ الحكمةَ حتى أفقدتهُ صوابه، والحكيمُ الذي التهمتهُ أسئلتهُ حتى صارَ سؤالًا بلا إجابة.


أنا الطوفانُ الذي حُبسَ في قطرة، والعاصفةُ التي خنقتها الريحُ في مهدها،

أنا النارُ التي أكلت ذاتها حتى لم يبقَ منها سوى رمادٌ لا ينطفئ.

أنا الحقيقةُ التي وُئدت تحتَ ركامِ الأكاذيب، والزيفُ الذي تسللَ إلى جدرانِ اليقين حتى تقمّصه.


أنا الزمنُ الذي عجزَ عن الوصول، والمصيرُ الذي لم يُكتب بعد،

أنا اللاشيءُ الذي احتضنَ كلَّ شيء، والعدمُ الذي اكتظَّ بالوجود..!

Post a Comment

أحدث أقدم