لماذا لا نكتب عن غزة؟

 



 بقلم عبدالله عنان 

أبت غزّة إلا أن تكون عنواناً للظرف التاريخي القائم في فلسطين. نشعر هنا كأن الأرض تتحرّك تحتنا، ويُكسر جليد الرّكود. ما يبدّل هذا العدوان عما سبقه، أن غزّة ليست المتغيّر الوحيد، وإن كانت الأصعب. ليست غزّة عنواناً لنفسها هذه المرّة، إنما طليعة نار تعمّ فلسطين بأشكالٍ متفاوتة وشدّة متباينة، وتغيير اجتماعي قبل أن يكون سياسياً، بدأ يظهر. لذلك، وغزّة هي العنوان، عليها أن تكون مدخلاً لأسئلة اجتماعيّة وثقافيّة وسياسيّة لا تعنيها فقط، بل تعني كل فلسطين.


أقول مثلما يقول الكثيرون: لا مجال للكتابة عن غزّة أمام هذه المشاهد الدمويّة. نشعر بالعجز عن الوصف أو التحليل. فكل تحليلٍ سياسي لمجزرة مثل تلك التي كانت تحدث كل يوم  يُصبح تافهاً وغبياً إذ يحاول فذلكة أكثر الأمور بديهيّة: غريزة الانتقام الوحشي الإسرائيليّة التي لا علاقة لها بالعقل. لكي نكتب عن الأمور، علينا أن نمسك ولو بطرف خيط عقلانيّ لها، ونحن الآن أمام انتصارات لمقاومة  لم يكن العقل يضرب لها حساب . خضوع للطرف الآخر لم يسبق له مثال،، 


لكننا من جهة أخرى نحدّق بإنجازات عسكريّة غير مسبوقة للحركات المقاوِمة. وهي مقاومة تعبّر بالأساس (وليس فقط) عن رفض الناس في غزة للتنازل عن مقوّم إنسانيّ أوليّ: ألاّ تموت قبل أن تقاتل لأجل الحياة. وهذه الجملة الأخيرة يُقترح استخدامها جواباً للسؤال عن معنى الكرامة. لكننا أيضا لا نستطيع أن نكتب عن المشهد المقاوم، رغم عقلانيّته وإنسانيّته، ليس لعجزٍ عاطفي ولا لانطفاء الفكر والسياسة أمامه كما الحال مع المجازر، بل لأسباب متصلة بقواعد هذه المقاومة وأسسها، وبالسياق التاريخي لتطوّرها.

Post a Comment

أحدث أقدم