الناقدة السينمائية د. سعاد الزريبي
في كتابها كيف تفكر المرأة؟ تقول الكاتبة والفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار حول موضوع المرأة وحقوقها "كان الفلاسفة قديما يحطون من شأنها ..ويقللون من قيمتها ،اعتبروها ناقصة العقل ،حيوانية الطبع ،غريزية السلوك، وتقدم الزمن وتطورت الشعوب فأبت المرأة الا أن تثبت للرجل أنها لا تقل عنه في مواهبه وملكاته وقدراته العامة والخاصة منها على السواء ،كافحت المرأة حتى حصلت من الرجل على مبتغاها " في هذا سياق من الجدل الفكري والثقافي والاجتماعي الذي يبسط إشكالية المرأة وذكورية المجتمع والمساواة بين الجنسين طرحت المخرجة السعودية ريما الماجد في فيلمها حوض قضية المرأة وتاريخ مواجهتها لواقعها في مختلف مراحل حياتها ومشكلة الانثى والحق في إثبات الذات بوصفها كذلك.
ينفتح الفيلم على مواجهة بين زوجين راجل بزي عربي شرقي يحمل في كلامه وتصرفاته وحركاته ارثا كاملا من ثقافة الصد والقسوة والغلظة وامرأة تحمل هي نفسها ملامح المرأة الشرقية في لباسها فحسب اذ تبدو في خطابها انها قد تحررت من ثقل الذاكرة لتجد في المواجهة سبيلها الوحيد من أجل الدفاع عن نفسها وعن ذاتها. تجتمع الشخصيتين في فضاء مغلق فلا نجد فيه نوافذ أو اثاث أو ما يمكن أن يحيل الى الراحة والانسجام بين طرفين أو وجود أي طرف ثالث قد ينهي الصراع بينهما.. لا يحمل الفضاء سوى دلالات السيطرة والتحكم اما العنصر الفريد في مشهد الأول من الفيلم هو وجود حوض فوق الطاولة يفصل بين الزوجين تسارع البطلة من أجل حماية هذا الحوض المملوء بالماء و الذي تعيش فيه سمكة صغيرة .. للحوض دلالات واسعة تدور حوله كل مفاصل الفيلم ومراحله والأهم من ذلك أنه هو ربما هو قلب المرأة وعقلها بل وحياتها التي تسارع البطلة في كل مرة على وضع يديها حوله من اجل حمايته :كي لا تجعل الكسر فيه يتوسع تسارع البطلة دائما الى لفه بيديها كي لا تفقد منسوب الماء فيه وكي لا تفقد السمكة حياتها. لقد مثل المشهد الأول من الفيلم صورة مجملة عن واقع وقصة المرأة في العالم العربي :عالم مبني على التقابل تنقصه الكثير من ثقافة الندية والصداقة والمحبة بين الذكر والأنثى ثقافة تجر وراءها إرثا كاملا من سياسة الفصل بينهما وهو ما سعت الماجد الى تصويره من خلال الصراع بين الزوجين الذي كان قادحا من أجل فعل التذكر :تذكر عالم الانثى وتاريخها منذ طفولتها وصولا الى مرحلة المرأة الزوجة مرورا بالعائلة والمدرسة والمجتمع والأصدقاء . ينبني الفيلم على ثنائية الذكر والمؤنث ثنائية أفرزت بدورها ثنائيات أخرى الذات والأخر ،المرأة والمجتمع والمرأة والذاكرة ثنائيات إستطاعت المخرجة ريما الماجد العمل على توضيحها وتصويرها وإخراجها من لغة الحوار و حديث الصورة . كيف ذلك ؟
تقول ريما الماجد "علاقتي بالكلمة سبقت علاقتي بالكاميرا " وأظن انها في هذا الفيلم أنها تنقل قصة وتركز على الفكرة وقضية كبرى في مجتمعاتنا العربية الذي عبرت عنها من خلال طريقة الحوار بين الأطراف كما ونوعا . إعتمدت الماجد الحوارات المقتضبة التي تسيطر عليها عبارات الرغبة في التحرر وأساليب الصد والممانعة والتصدي والقوة بل تصل الى حد العبارات التي تحمل رمزية خاصة :الرفض والموافقة ،المنع والتحرر ، القوة واللين ،الغطرسة واللطف ،الحرية الاستبداد .. لكن تعتبر خاصية غياب الحوارات الطويلة هو خير دليل على غياب قيم التسامح والصداقة والتوافق بين الأطراف بل هي تعبير عن صراع حقيقي بين الأجيال وبين الجنسين وبين التصورات .
اعتنت المخرجة بفيلمها بصريا ووظفت التقابل لا من خلال الخطاب والحوارات فحسب بل طبقت التقابل والصراع من خلال الصورة والذي ظهر واضحا من خلال صورة المعلمة باللباس الأسود والتي توحي ملامح وجهها على الكثير من التسلط والقوة التي تمارسها على البنات داخل الفصل ،اختارت المخرجة في مشهد تمثيلي خيالي صورة المعلمة التي أصبحت تتحرك وتتكلم كالآلة تعيد الكلام وتلقن التلميذات نظام الصواب والخطأ " هذا صح ، هذا غلط" وهي صورة تعكس ثقافة كاملة التي تفرضها الثقافة المعادية لحقوق المرأة لكن في هذا المشهد الذي يصور قسوة النظم التعليمية التي تلقن للفتيات اختارت المخرجة ان تواجه هذه الصورة النمطية بصورة مغايرة أكثر بهجة وحرية حيث تختار لبطلتها الصغيرة ملابس مغايرة وملامح مبهجة تختلف عن زميلاتها في الفصل وأسلوب خطاب متحرر من كل النظام الذي تفرضه المدرسة "نظام الصح والغلط" هو طريق اختارت المخرجة رسمه لتشير الى نقدها الى هذه النظم التقليدية وقدرة المرأة على التحرر والتصدي لهذا الموروث وأن تحرر المرأة مشروط بتحرر من هذا النظام الذي ينشئ في المدرسة والعائلة . في المقابل لئن افتتحت الماجد الفيلم بحركة التقابل بين الرجل والمرأة الا انها في وسط الفيلم تكشف شكل اخر من العلاقة مع الرجل ليست علاقة تقابل أو صراع بل علاقة توافق وتقارب حيث تكون الشخصيات "البنت" و"الأب" على مستوى واحد وفي خط واحد لتقضي مشاعر الابوة على الفرق والصراع وتحول الحركة من حركة تقابل الى حركة توازي وتقارب وتوافق ثم لتعود في نهاية الفيلم الى فتح الباب ومغادرة ذكورية الحياة التي يفرضها الزوج وهي حركة رمزية تحيل الى الخروج من المكان ومن النظام ومن ثقافة وتصور كامل للمرأة لتعلن في نهاية الفيلم ضرورة التحرر وبداية تصور مغاير للحياة وهو ما صرحت به المخرجة عند سؤالنا لها : كيف ترين نفسك في الحركة النسوية في السعودية اجابت الماجد انا اريد ان أكون صوت لكل امرأة مهمشة لم يصل صوتها للعالم اريد ان أكون انا صوتها .كما انها تعتبر ان السينما هي صوت المهمشين اذ تقول في احدى حواراتها "اردت من خلال فيلم حوض أنا وزميلتي مروة ، التي كتبت قصته معي ،أن نهديه لأولئك الذين لديهم أحلام عدة ويترددون في تحقيقها بسبب المخاوف الداخلية وليس المجتمع .ومتى تخلص المرء منها فسيكون قادرا على الوصول الى مبتغاه".
ننوه في هذه القراءة الى حجم معرفة المخرجة الماجد بالمدارس السينمائية العالمية والذي بدى واضحا في هذا الفيلم من خلال حسن اختيار الزوايا والحرفية في التركيب وبلورة القصة سرديا وبصريا وهي التي تشبثت بشغفها وميلها الكبير الى أفلام المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي وكريستوفر نولان ودارين ارونوفسكي و المخرج الإيراني اصغر فرهادي . كما تعتبر الماجد ان نجاحها في هذا الفيلم هو صورة من نجاح جماعي الذي سارت فيه المملكة من اجل دعم الإنتاج السينمائي اذ صرحت في حواري معها "انا محظوظة انني ابنة هذا الزمن في المملكة الداعمة للابداع ".
تعتبر المخرجة ريما الماجد أن الفيلم هو تجربتها الأولى وبداية لتجربة سينمائية ستتوسع في قادم تجاربها السينمائية القادمة الا أنها تعتبر أن الفيلم القصير هو الأصعب من ناحية المساحة القصيرة التي يعطيها الفيلم القصير للمخرج من اجل توصيل رسالته وهي صعوبة واجهتها في هذا الفيلم وكانت محددا سعت من خلاله المخرجة بث كل طاقتها الفنية في الفيلم بحيث تصبح كل لقطة موظفة من اجل خدمة القصة والموضوع العام للفيلم .
حاز الفيلم على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان صور السينمائي الدولي للأفلام القصيرة في لبنان وجائزة أفضل صورة شعرية في مهرجان سينمكنة بالمنستير بتونس كما فاز بمسابقة "ضوء" بدعم الأفلام التابعة لوزارة الثقافة وفاز بجائزتين في مهرجان مينا السينمائي الدولي في لاهاي هولندا وجائزة أفضل ممثلة لرند القصيبي في فئة الأفلام القصيرة وفاز الفيلم بجائزة الجمهور لأفضل فيلم روائي قصير وجائزة التميز في القصة والسيناريو في ملتقى هيلوبوليس للسينما القصيرة في القاهرة .وعرض في مهرجان "أفلام السعودية 2023 ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي ومهرجانات سينمائية عديدة في مختلف أرجاء العالم العربي وخارجه . لكن يعتبر فيلم حوض لحظة مهمة في تاريخ المسيرة الفنية لريما الماجد التي حولت تجربتها في المجال الطبي والرعاية النفسية والطبية للمرضى الى لقاء بالوضعيات الهشة من المرضى وتحول قصصهم الى وضعيات إنسانية قادرة ان تحول الى أفلام سينمائية لتدخل مجال الأفلام التوعوية والتثقيفية ثم لتتوطد علاقتها بالسينما وعالم الفن السابع لتصبح ريم صانعة أفلام لها رؤيتها الخاصة لعملها في عالم السينما وكاتبة سيناريو ثم لتدخل عالم الاشراف في ميدان السينما لتصبح نائبة رئيس لجنة السينما والأفلام في جمعية الثقافة والفنون بالرياض عامي 2018 و 2019 كما ساهمت في العديد من المشاركات في الدراما السعودية والمشاركات الفنية منها كتابة سيناريو مسلسل "ضرب الرمل" عام 2019 الى جانب كونها مشرف محتوى وإنتاج لكثير من المسلسلات السعودية مالي شغف بالسوق و إسعاف و الزاهرية كما انها منتجة للفيلم الوثائقي "من ذاكرة الشمال" 2021
إرسال تعليق