د/عبدالله عنان
يسألني القلم، وهو يرتجف بين يدي: لماذا أصبحت كلماتك مشبعة بالألم، تقطع القلب وتذرف الروح؟ لماذا ابتعدت عن خليل جلساتك، ذاك الرفيق الذي كان يرافقك في لحظات الإلهام، في تلك اللحظات التي كان كل حرف يخرج من بين يديك يحمل سحرًا خاصًا؟ لماذا صمتِّ، ولماذا خلتِ الأوراق من صوتك؟ ماذا حل بك؟ أخبرني، أليس أنا من كنت تبوح له بكل ما في أعماقك، بكل ما تفرغ به من مشاعر وأفكار، ولا يعرف عنك سواي؟
غمرني صمتٌ عميق، صمتٌ قاتل يضغط على صدري ويطول بلا مخرج، لحظة عجزت فيها عن النطق، وكأن الكلمات نفسها قد هربت مني. ماذا عساني أن أقول له؟ هل أخبره أنني ضعت و بعد شي ما ، وأن الكلمات التي كانت تهمس في أذني بصوت قارح قد تلاشت كما يتلاشى السراب في الصحراء؟ أم أخبر القلم أنني أصبحت أكره الكتابة، لأنني لن أتمكن من الكتابة بعد الآن بحرية وأنا غارق في ذكريات مستعصية، ذكريات تلك اللحظات التي كنت أكتب فيها وأنا أفيض بالحياة، وأكمل قصتي كما لو كانت جزءًا مني، ثم أركض إليها كما لو كانت حلمًا يجب أن يتحقق، ليصحح لي أخطاءها إن وجدت، وتطرب عقلي بتلك الضحكة التي كانت تلامس روحي، فتشعل بداخلي رغبة لا تنطفئ في الكتابة؟
هل أخبره أن صديقي، قبل أن يكون الكتاب ، كان ذلك الشخص ا العظيم الذي لا يغيب عن ذهني، الذي كان يشعرني بالأمان وسط هذا العالم الأدبي المليء بالزيف والمراوغات؟ هو مرشدي، معلمي، وأمان روحي محمد المياحي، في ساحة لا تكاد تخلو من الأنانية والنفاق؟ أذكره في كل جلسة كانت تضيء المساء، في تلك اللحظات التي كنت أملأ فيها صفحاتي بكلماته وتصحيحه وتوجيهه، وهو ينظر إلي بابتسامة تشعرني أني أنا لست وحدي في هذا العالم الأدبي القاسي. أذكر تلك الأيام التي كانت الجلسات الأدبية عبر الوتس فيها، رغم قسوتها، كانت منبعًا للسلام الداخلي. وأما الآن، فقد أصبحت الأيام تتكرر بلا طعم، مملة، لا تحمل ذلك الوهج الذي كان يضيء لي دربي.
فالروح الآن، أيها القلم، غارقة في فراغٍ عميق، في ظلامٍ يزداد قتامة، وكأنني أبحث عن نورٍ قد ضاع في الزمان، كما يضيع الفجر في أعماق الليل. والآن، كيف يمكنني أن أعود إلى تلك اللحظات التي كانت تملأني بالقوة والإلهام، وأنا أجد نفسي في هذا الصمت العميق؟ أستطيع أن أسمع صوت الرياح البارده في منتصف ليل شرعب القارس، تقرس جسدي المتهالك تعبن ، ولا أجد سوى الفراغ بجواري..
ما أروع هذا النص
ردحذفبكل ما يحمله من شجن وعذوبة تتغلغل في الروح!
لقد استحوذت كلماتك على القلب، وأخذت القارئ في رحلة شعورية مفعمة بالصدق والحنين
كأنه حوار بين الروح وأعماقها
تحول القلم إلى شاهدٍ على التحولات التي مرت بها النفس
حارسٍ لصمت بات أثقل من البوح.
إرسال تعليق