للكاتبة أروى أبوعقل
قصة قصيرة
لم أَكنْ يومًا صديقةً لِلّيل، كنتُ كلما سمعتُ حفيفَ جناحيْه، أو لمحتُ ظلال ردائه تتسلل؛ أرخيتُ جَفنيَّ...كان يشعر ضمنيًّا بأنه ضيفٌ ثقيل عليَّ، ومع ذلك كان يتغاضى عن نفوري ، ويبقى هادئًا، ينتظر أن تتحولَ تلك الإغماضة الزائفة لحقيقة، ثم يبدأ بسردِ حكاياه.
أَفيكُم مَن يكتم السِّر ؟
نعم ، ما كنتُ أُطيقُ قدومَه، لكني كنتُ أتشوّقُ لحديثِه ، كان مختلفًا، بارعًا في سرد الحكايا، ودومًا كان له السَّبقُ في الإتيان بالخبر، أخبار ثلاثيّة الأبعاد ، بل أكثر ، ومُطالِبًا إيايَ بذكاءٍ غير مألوفٍ لفهمِ رمزيّتها..
حدّثني مرةً عني بنسختي الحالية ، ومَرّةً ثانية عن نسختي الآتية..
كان يمسك بيدٍ حانيةٍ رأسي، ويطبع على عينَيَّ شريطَ صورٍ كَفيلمٍ وثائقيٍّ عمّن تلحّفوا الترابَ، وبقيَت على ألسنتهم شيفرة معلَّقة ، أو "بريدَ شوق."..
أخذني _ذاتَ بصيرةٍ_ في جولةٍ نحو مَن تركوا مكانهم للظنون ، فبَدَّدها مشهدٌ أكّد صدقَهم حين جدّفوا ذات يومٍ نحوي. فكيف لا أُحبُّ حديثَه!!
في الحقيقة، لم يكن ثرثارًا طوال الوقت، ولا كُلّ ليلة ،حتى أنه غلب عليّ الظنُّ مرةً بأنه أسقط خيمتَه على رأسه وغطّ في سبات، ثم غادر قبل أن ترفعَ عينايَ ستائرها.
الآن ، ما عدتُ أُغلِق جفنَيَّ لأرى رُسومَه المتحركة، وهو ما عاد يأتيني بأَخبارِ أحدهم، ولا يُحدثني بجديدٍ عني. رُبما ملَّ من التحدّث وحده طوال ليالٍ ألف.
هو لا يكُفُّ عن الحُضور ، وأنا لا أكفّ عن الصمت ، وكلانا غاضب، وكلانا مُجبَر على احتمال وجود الآخر، بل وأصبح زائري يتفنن برسم ظلالِه حول عينيَّ، ويقطر لونَ حبرِه في مقلتيّ؛ فيزداد في نظري اسوداده، ونزداد كُرهًا ونزداد غُربةً.
إلى أن اقتحمتْ فكرةٌ مغايرةٌ رتابةَ اللقاء؛ فقطّعتُ أوصالَ الصمت بيننا، وجاءهُ صوتي للمرة الأولى: أَأُشعلُ شمعتين؟
وكأنني للمرة الأولى أرى ملامحَ وجهٍ مُطَمئِن، بدّدتْ وحشةً كانت لا تغيب.
لكنه قرّر الصمتَ مجددًا ،ثم أشارَ لركعتين في جوفِه، ولِنورٍ في صدري؛ فتغيّر مجرى الحديثِ من ساعته. فلا أنا عُدتُ أنا ، ولا هو عاد كَهُو.
إرسال تعليق