يوم المرأة بين الواقع و الخيال

 


بقلم رنا الطويل 

يعتبر يوم المرأة العالمي، الذي يُحتفل به في 8 مارس من كل عام، مناسبة للتذكير بإنجازات النساء في مختلف المجالات، وللتأكيد على أهمية المساواة بين الجنسين. ولكن، في ظل الواقع الاجتماعي والسياسي الذي نعيشه، يظهر تساؤل كبير: هل يُحتفل بهذا اليوم حقًا من أجل تحقيق التغيير الفعلي في حياة النساء، أم أنه مجرد مناسبة للاحتفال الظاهري الذي لا يتعدى كونها كلمات تنتهي في نفس اليوم؟ هذا هو جوهر النقاش حول “يوم المرأة بين الواقع والخيال”. لقد مر وقت طويل منذ أن بدأت النساء في مختلف أنحاء العالم في المطالبة بحقوقهن. بدأ يوم المرأة العالمي في أوائل القرن العشرين كدعوة للعدالة والمساواة، حيث كانت النساء في ذلك الوقت يعانين من ظلم شديد في مجالات العمل والتعليم والحقوق المدنية. ولكن مع مرور الزمن، استطاعت النساء تحقيق العديد من المكاسب، بدءًا من حقهن في التصويت وصولًا إلى مشاركة فعّالة في جميع المجالات السياسية والاجتماعية. اليوم، يمكننا أن نرى حضورًا قويًا للنساء في المناصب القيادية، كما أن هناك العديد من الحركات التي ساهمت في تسليط الضوء على قضايا المرأة، مثل “مي تو” (Me Too) وحركات المطالبة بحقوق النساء في العمل، والتحقيق في العنف الأسري والجنسي. في بعض الدول، تحقق النساء العديد من النجاحات على مستوى القوانين والسياسات الاجتماعية التي تدعم حقوقهن. ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلاً. في العديد من الأماكن حول العالم، تواجه النساء تحديات كبيرة تتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، التمييز في العمل، التفاوت في الأجور، وتقييد حرياتهن. بالإضافة إلى ذلك، رغم التشريعات الحديثة، لا تزال بعض التقاليد والثقافات المجتمعية تمنع النساء من الحصول على حقوقهن الكاملة. على الرغم من الإنجازات العظيمة التي حققتها النساء في شتى المجالات، يبقى يوم المرأة في بعض الأحيان مجرد مناسبة للاحتفال “الشكلّي” من قبل المؤسسات والحكومات. قد يتحول هذا اليوم إلى فرصة للتسويق فقط، حيث يتم نشر رسائل تدعي دعم حقوق المرأة دون أن تكون هناك تغييرات حقيقية على أرض الواقع. يُشاهد هذا في العديد من الحملات الإعلامية التي تروج للمرأة في هذا اليوم، ولكن دون أن تقدم حلولًا عملية لمشاكل النساء اليومية. شركات قد تروج لمنتجاتها مستغلة هذا اليوم، بينما في الواقع لا تلتزم بممارسات عادلة تجاه موظفاتها أو حقوق النساء بشكل عام. كما أن الحكومات في بعض البلدان قد تستخدم هذا اليوم كوسيلة لتسويق إنجازاتها دون أن تُنفذ تغييرات جذرية في السياسات التي تضمن حقوق المرأة بشكل فعلي. يجب أن يكون يوم المرأة العالمي فرصة حقيقية للتفكير في التحديات التي تواجه النساء في العالم، بالإضافة إلى تكريم إنجازاتهن. ولكن يجب أن نكون واقعيين ونواجه الحقيقة التي تقول إن الاحتفالات بالمناسبات مثل هذا اليوم يجب ألا تكون مجرد كلمات تُقال في لحظة ثم تُنسى، بل يجب أن تكون دعوة للعمل المستمر. الحلول تكمن في العمل المستمر والتغييرات الجذرية في قوانين العمل، التعليم، والأمن الاجتماعي. لا يمكن أن نكتفي بتكريم النساء في يوم واحد، بل يجب أن تكون هناك خطوات مستمرة لضمان تحقيق المساواة التامة. في النهاية، يوم المرأة العالمي هو فرصة لإحداث تغييرات حقيقية إذا تم استخدامه بشكل فعال. إذا كان الواقع مليئًا بالتحديات التي تواجهها المرأة، فإن الخيال يجب أن يتحول إلى واقع ملموس عبر تغييرات مستمرة على جميع الأصعدة. يوم المرأة العالمي يجب أن يكون أكثر من مجرد احتفال، بل دعوة لتغيير حياة النساء بشكل عملي وعادل في جميع أنحاء العالم

Post a Comment

أحدث أقدم