بقلم : د. مجدولين منصور
العناد، تلك الصفة التي قد تتسلل إلى شخصية الفرد كظل ثقيل، تعتبر من أكثر السمات المزعجة التي يمكن أن يتصف بها الإنسان. قد يكون العناد موروثًا، ينحدر عبر الأجيال كصفة متجذرة في النفس، أو قد يكون مكتسبًا نتيجة لأساليب التربية الخاطئة. فعندما يتعامل الوالدان مع الطفل بمنطق "عناد مقابل عناد"، فإنهم بذلك يزرعون بذرة العناد في شخصيته، لتنمو معه وتصبح جزءًا لا يتجزأ من سلوكه.
تبدأ ملامح العناد في الظهور منذ الطفولة، حيث يصر الطفل على تحقيق رغباته، ويستمر في البكاء لفترات طويلة، وكأنه يخوض معركة إرادات مع من حوله. وإذا ما تعامل الوالدان مع هذا السلوك بالمثل، أي بالعناد، فإنهم بذلك يعززون هذه الصفة لدى الطفل، لتصبح لاحقًا أسلوب حياة.
لكن، كيف يمكن علاج العناد؟ وكيف يمكن تحويل هذا السلوك السلبي إلى إيجابي؟
المرونة في التعامل: مفتاح الحل
أولى خطوات علاج العناد تكمن في المرونة في التعامل. فبدلًا من الاصطدام بالطفل وجها لوجه، يمكن اللجوء إلى أسلوب التفاهم والحوار. فالعقل الذي ينمو يحتاج إلى من يفهمه، لا إلى من يقمع إرادته. ومن هنا تأتي أهمية "عقد الصفقات السلوكية" بين الوالدين والطفل.
الصفقات السلوكية: أسلوب علمي فعّال
عقد الصفقات السلوكية هو أسلوب علمي مدروس، يعتمد على مبدأ المكافأة والتعزيز. فبدلًا من أن تفرض على الطفل ما تريد، يمكنك أن تتفق معه على صفقة: "إذا قمت بما أطلب منك اليوم، سأقوم أنا بدوري بتلبية طلبك غدًا". هذه الصفقات لا تعلم الطفل فقط أهمية الالتزام، بل تعزز لديه مفهوم التعاون والتفاهم.
ولكي تكون هذه الصفقات أكثر فعالية، يُنصح بتدوينها ووضعها في مكان مرئي، مثل جدار الغرفة، حتى تظل حاضرة في ذهن الطفل. وعندما يلتزم الطفل بالصفقة، يجب تعزيز هذا السلوك الإيجابي بالمكافأة، سواء كانت مادية أو معنوية. فالتعزيز الإيجابي يساعد في إطفاء السلوك السلبي، ويشجع الطفل على تكرار السلوك الجيد.
تجنب أسلوب المعاندة والعقاب
من المهم جدًا تجنب أسلوب المعاندة والعقاب عند التعامل مع الطفل العنيد، فهذه الأساليب لا تؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة. فالعقاب يزيد من شعور الطفل بالظلم، ويجعله أكثر إصرارًا على العناد. بدلًا من ذلك، يجب أن يكون التعامل قائمًا على التفاهم والاحترام المتبادل.
الخلاصة: نحو علاقة صحية ومتوازنة
العناد ليس حكمًا نهائيًا على شخصية الطفل، بل هو سلوك يمكن تعديله بالأساليب الصحيحة. من خلال المرونة في التعامل، وعقد الصفقات السلوكية، وتعزيز السلوك الإيجابي، يمكن تحويل العناد إلى تعاون، والإصرار إلى تفاهم. فالتعامل مع الطفل العنيد ليس معركة إرادات، بل هو جسر نحو بناء علاقة صحية ومتوازنة، قائمة على الاحترام المتبادل والتفاهم
إرسال تعليق