النص:-
طال انتظاري أمام البوابة الضخمة
فلقد انتهت مراسم التخرج منذ فترة طويلة ولا أدري سببا لتأخره حتى الآن.. الشمس محرقة جدا ..وهذا الصيف لم يمر علينا مثله.. ولكن ليس مهما فها هو يحقق أغلى حلم لي.. وهذا هو اليوم الذي انتظرته طوال حياتي.. ولقد قررت أن يكون يوما مشهودا ..فلقد ارتديت بنطلونا أبيض وقميصا مزركشا .. رغم رفضي الشديد للون الأبيض في البنطلونات خصوصا وطالما شعرت بأن الذين يرتدون قمصانا مزركشة أنهم أشخاص مرضى بداء حب لفت الأنظار ..ولكني قررت أن أفعل ذلك لأكون مختلفا اختلافا كبيرا .. وأيضا رفضت أن أجلس مع العائلة في المكان المخصص لعائلات الطلبة الذين تخرجوا ليشاهدوا استعراض التخرج.. لأنني أريد انا أن أراه وحدي ..بعيني أنا فقط دون عيون كل الناس..
ليروي ظمأ حلمي الطويل وعلى أكتافه تلك النجمة الفضية الرائعة التي تلمع تحت أشعة الشمس وذلك( الكاب) على رأسه يعطي له شكلا مختلفاً جذاباً
ما له تأخر هكذا !! أم أنا المتعجل
إنها لحظات.. فقط دقائق.. وأراه يختال وهو يسير نحوي.. سوف أفتح ذراعي بل قلبي كله ليدخله في عناق طويل ويدلف نحو ضلوعي التي تشتاق هي الأخرى إلى دفء جسده وساعديه حين تلتفان من حولي.. لا بل أنا الذي سوف أرفعه في الهواء مثلما كنت ألعب معه حينما كان طفلا ..فهل سوف أستطيع .. بالتاكيد .. أستطيع ... إنه ابني .. وأنا أبوه الذي يمثل له مركز الكون وحائط الصد ومحقق كل رغباته.. مقابل أن يعطيني تلك اللحظة التي أنتظرها الآن
إنني أشعر أن حياتي كلها هي تلك اللحظة بل إنني لم أعش إلا لتلك اللحظة
لماذا كل هذا التاخير .. لقد تركت كل هذا الاحتفال وفضلت أن أقف هنا وحدي دون الجميع .. لأن هذا هو شرطي للكل.. لا أحد معي أمام تلك البوابة .. أنا وهو فقط ليس سوانا.. هكذا أشعر أنا بالاحتفال معه..وله.. ولي..
ما الذي أخره كل ذلك بالداخل ..
ليس مهما ..
هذا أنا واقف في انتظارك .. يا ابني..
تأويل القصة
................
المعنى الحقيقي للألفاظ ليس ذلك الترادف اللغوى المُعجَمى ، وإنما المخبوء
داخل اللفظ بمراداتِه ، لتكوين معنى شمولى يوازى
ذلك المُراد الذى من اجله
جاءت الأحداث..فإذا تعاملنا
مع النٌصّ ظاهرياً فلن نضيفَ شيئاً له، غير اننا قراناه كما هو بشرح طلّاب المدارس..
فالنصّ الذى أمامنا برغم
بساطة اللغة والاسلوب
له منحى آخر تماماً_ فى
نظرى_ ولا أتصنَّعُ له تأويلاً
..فبرغم إن ظاهر القصة
بإيجاز يُعبّر عن أبٍ مُتلهِّف
لتلك اللحظة التى ينتظرها منذ زمن، وهى لحظة تخرّج ابنه من كلية الشرطة، وإن يرى تلك النجمة الفضية على كتفه والكاب، ومدى ماتحمُّله فى سبيل الوصول
لتلك اللحظة ، لكن المعنى
الحقيقى الكامن خلفها معنىً اعمق بكثير، وإن كانت كميّةُ المشاعرِ فى الحالتين متساوية، وهذا هو الذى أعطى للسياقِ
حرارته ، وأعطى للمعنى المُراد الذى نبحث عنه
طاقته الحيويّة..
فرجُل الشرطة هو أحدُ أبنائنا، وهذا لاخلاف عليه
أنه ابنُ هذا الشعب..فى الوقت الذى نجده فيه هو جلّادُ هذا الشعب..هنا قمةُ المفارقة التى ركّز النّصُّ الخَفى عليها..وهذا الأب
الذى هو عامةُ الشعب الذى افترق وحده بعيداً عن العائلات لينتظر تلك اللحظة
إنما ينتظر رجل شرطة لكل الشعب" شرطى للكل" ...
شرطى عانى الشعب طويلاً
للحظة ميلاده"تخرُّجه"
ليُثلج صدر هذا المُنتظِر طويلاً، فقد كان رجل الشرطة أداةً فى يد السُّلطة للتعذيب وسوء المعاملة
وصارت هناك فجوةٌ عظيمة بين الطرفَين: الشعب والشرطة..وصلت لحد الكراهية، وهو مالوحظ فى ثورة٢٥يناير .إذن فنحن،أى الشعب(الأب) فى انتظار رجل شرطة جديد، علاقته بالشعب علاقة تنفيذ القانون مصحوبة بالاحترام
والرحمة.هو ذاك الإبن الذى ننتظره، والذى نعانى الآن
ولدينا آمالٌ كبيرة فى لحظة تخرّجه، ربما يُعيد لنا
شبابنا الذى شوّهته سوء المعاملة، فالبنطلون الأبيض
والقميص المزركش ألوانُ بهجة، فهل يعيدُ لنا الإبن"الشرطى" لنا تلك البهجة...نحن ننتظره وإن تأخّر بعض الوقت، كما ينتظره ذلك الاب المتلهّف لرؤيته.
_____________
ذلك ما وصل إليه تأويلى الخاص.. تحياتي لكم.
إرسال تعليق