بقلم يوسف اليامي
الحياة بحر واسع، أمواجه متقلبة، مد وجزر لا ينتهي، لحظات من الفرح تضيء الطريق، وأخرى من الحزن تعلّمنا كيف نقف من جديد. نحن نسير في دروبها دون خريطة واضحة، نتعثر، ننهض، نبتسم، نبكي، نحلم، ونحاول أن نصنع من كل لحظة معنى، نبحث عن السعادة وكأنها وجهة أخيرة، نركض وراء الأحلام وكأنها الضمان الوحيد لأن نشعر بالاكتفاء، لكن مع مرور الوقت نكتشف أن الحياة ليست وجهة، بل هي الرحلة نفسها، بكل ما فيها من محطات وتجارب ودروس.
الحياة تعلمنا أن لا شيء يبقى كما هو، أن الفرح ليس دائمًا، وأن الحزن ليس نهاية العالم، تعلمنا أن اللحظات الجميلة تمضي سريعًا، وأن الألم الذي نظنه أبديًا يتلاشى مع الوقت، تعلمنا أن كل تجربة نخوضها تترك أثرًا، كل شخص نلتقيه يضيف إلى قصتنا، كل فشل نصادفه يعلمنا كيف ننجح، وكل خسارة تمنحنا منظورًا جديدًا للحياة.
في طفولتنا نعتقد أن الحياة سهلة، أن الأحلام تتحقق بمجرد أن نتمناها، لكن كلما تقدمنا في العمر فهمنا أن الحياة تحتاج إلى صبر، إلى إرادة، إلى شجاعة، أن الأبواب لا تُفتح دائمًا بسهولة، وأن الطريق إلى النجاح مليء بالعقبات، تعلمنا أن لا أحد سيحمل أعباءنا عنا، وأن القوة الحقيقية ليست في عدم السقوط، بل في القدرة على النهوض بعد كل مرة نخسر فيها.
الحياة ليست عادلة دائمًا، لكنها تمنحنا فرصًا، قد لا تأتي في الوقت الذي نريده، لكنها تأتي في اللحظة التي نكون فيها مستعدين لها، تعلمنا أن لا نعلّق سعادتنا على الآخرين، وأن لا ننتظر من أحد أن ينقذنا، فكل شخص مشغول بحمل أعبائه، تعلمنا أن القلوب تتغير، أن العلاقات لا تبقى كما هي، أن الأشخاص الذين كانوا يومًا أقرب الناس إلينا قد يصبحون مجرد ذكرى، وأن الذين لم نتوقع وجودهم في حياتنا قد يصبحون أكثر من نحتاج إليهم.
في هذه الرحلة، علينا أن نتعلم كيف نعيش اللحظة، كيف نقدر الأشياء البسيطة، كيف نجد السعادة في التفاصيل التي نغفل عنها، في ابتسامة صديق، في كوب قهوة صباحي، في كتاب يغير نظرتنا للعالم، في لحظة هدوء وسط الفوضى، في شعور الرضا عن أنفسنا مهما كانت الظروف، لأن الحياة ليست دائمًا كما نريد، لكنها في النهاية ما نصنعه منها، هي الطريقة التي نختار أن نراها بها، فإما أن نعيشها ونحن ننتظر المستقبل، أو نقرر أن نستمتع بها الآن، بكل ما فيها من جمال وصعوبة، من نجاح وإخفاق، من لقاء وفراق، لأنها تمضي ولا تنتظر أحدًا، فلا تجعلها تفوتك وأنت منشغل بالبحث عن شيء ربما يكون أمامك طوال الوقت.
إرسال تعليق