الأزهر الشريف.. ألف عام من النور والعلم في ذكرى تأسيسه

 



بقلم الكاتبة الصحفية/ سهام فودة




عندما نتحدث عن الأزهر الشريف، فإننا نحتفي بتاريخٍ يمتد لأكثر من ألف عام، حيث بُني هذا الصرح العظيم في 7 رمضان عام 361هـ (972م)، ليكون شاهدًا على حضارة إسلامية متجذرة، ومنارةً تشع بالعلم والوسطية عبر العصور.


النشأة والتأسيس: البداية من مسجد إلى جامعة كبرى


في قلب القاهرة الفاطمية، وتحديدًا بعد تأسيس المدينة على يد القائد جوهر الصقلي بأمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، بدأ بناء مسجد الأزهر ليكون مركزًا لنشر المذهب الإسماعيلي الشيعي آنذاك. وبعد اكتماله، أصبح الأزهر أول جامع يُؤسَّس في العاصمة الجديدة، وأقيمت فيه أول صلاة جمعة يوم 7 رمضان 361هـ.


لكن الأزهر لم يظل مجرد مسجد، بل تحول إلى مدرسة علمية كبرى، ومع مرور الزمن، وخصوصًا بعد تحول مصر إلى المذهب السني في عهد صلاح الدين الأيوبي، أصبح الأزهر مؤسسة علمية تجمع شتى المذاهب، وتحتضن طلاب العلم من مختلف بقاع العالم الإسلامي.


الأزهر عبر العصور: صمودٌ وتطورٌ مستمر


مر الأزهر بمحطات تاريخية فارقة جعلته ركيزة أساسية في تاريخ الإسلام، حيث شهد تطورًا معماريًا وعلميًا واسعًا. فقد زادت التوسعات في عهدي المماليك والعثمانيين، وأصبحت دروس الأزهر تشمل علوم الفقه والتفسير والحديث، إلى جانب العلوم الطبيعية والفلسفة والرياضيات.


ولم يكن الأزهر بعيدًا عن الأحداث السياسية الكبرى، بل كان دائمًا في مقدمة صفوف المقاومة ضد الغزو الأجنبي، بدءًا من التصدي للحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، مرورًا بدوره في ثورة 1919، ووصولًا إلى دوره الحالي في مواجهة الأفكار المتطرفة وترسيخ الفكر الوسطي.


مكتبة الأزهر.. كنز من المخطوطات النادرة


من أهم الكنوز التي يحتضنها الأزهر الشريف، مكتبته العريقة التي تضم آلاف المخطوطات النادرة في مختلف العلوم، والتي يعود بعضها إلى مئات السنين. وقد شهدت المكتبة توسعات مستمرة، حتى أصبحت واحدة من أضخم المكتبات الإسلامية في العالم، تزخر بمؤلفات نادرة لم يسبق نشرها أو تحقيقها بعد.


الأزهر في العصر الحديث: التطور الرقمي والتواصل العالمي


في ظل التطور التكنولوجي، لم يبقَ الأزهر محصورًا بين جدرانه، بل أطلق منصات رقمية للتعليم عن بُعد، وأصبح يقدم دروسًا وفتاوى إلكترونية تخدم المسلمين في مختلف أرجاء العالم. كما أطلق برامج تدريبية للأئمة والدعاة، ليواكبوا تحديات العصر بأسلوب علمي ومنهجي.


الأزهر.. قلب الأمة النابض بالعلم والدين


في ذكرى تأسيس هذا الصرح العريق، يظل الأزهر منارة للعلم والدين، يربط الماضي بالحاضر، ويحمل على عاتقه مسؤولية نشر رسالة الإسلام السمحة. ورغم كل التحديات، يواصل الأزهر دوره الرائد، ليظل صرحًا شامخًا، يُضيء درب الأجيال القادمة كما فعل على مدى قرون.


في هذه المناسبة، نستحضر تاريخ الأزهر المشرف، وندرك أن دوره سيظل أساسيًا في حفظ هوية الأمة، وتعزيز الفكر الوسطي، ونشر العلم الذي ينير العقول، كما كان منذ أكثر من ألف عام.






Post a Comment

أحدث أقدم