" داخل كل منا حكايتين حكاية فرضت عليه فعاشها وأخرى يتمنى أن ينقش تفاصيلها كما يشاء ليعيشها"




  بقلم يوسف اليامي

نحن نعيش بين حكايتين، بين ما فُرض علينا وما نتمناه، بين ما نملكه وما نفتقده، بين واقع لم نختره وحلم نحاول أن نجعله حقيقة. في داخل كل إنسان صراع خفي بين الاثنين، صراع صامت لا يسمعه أحد، لكنه يستنزفنا ببطء، يجعلنا نبدو ثابتين بينما نحن في الحقيقة نغرق في أفكارنا، نحاول أن نفهم، أن نُفسر، أن نقنع أنفسنا أن هذا الواقع هو الأفضل، أو على الأقل أنه ليس الأسوأ.


كل شيء بدأ منذ اللحظة الأولى، منذ أول نفس أخذناه في هذه الحياة. لم نكن نعلم أين نحن، لم نختر أن نكون هنا، ولم نختر من يكون حولنا، ولم يكن لنا رأي في البداية التي كُتبت لنا. وجدنا أنفسنا في وسط قصة لم نكتبها، شخصياتها محددة، وأحداثها تجري بغير إرادتنا. كبرنا ونحن نحاول أن نتأقلم، نحاول أن نجد لأنفسنا مساحة، نحاول أن نفهم القواعد التي تسير بها هذه الحكاية المفروضة. أحيانًا نرضى، أحيانًا نقاوم، وأحيانًا نحاول أن نهرب، لكن لا مهرب من الحكاية التي كُتبت علينا.


ثم تأتي الحكاية الأخرى، الحكاية التي نحلم بها، تلك التي نرسم تفاصيلها في خيالنا، حيث كل شيء كما نريده تمامًا، بلا قيود، بلا ألم، بلا خسائر. الحكاية التي فيها نحن كما نريد أن نكون، نعيش كما نشتهي، نحقق كل ما لم نستطع تحقيقه. لكنها تبقى مجرد صورة في أذهاننا، واقعها هشّ، وحضورها يتلاشى كلما اصطدم بالواقع. نحاول أن نقرب المسافة بين الحلم والواقع، نحاول أن نكتب بأيدينا فصلًا جديدًا، أن نغير مجرى القصة، أن نحذف بعض الأجزاء ونضيف أخرى، لكننا ندرك سريعًا أن القصة الأصلية أقوى، أن الواقع عنيد، وأن الحلم ليس كافيًا ليُغير ما فُرض علينا.


وهنا نبدأ بالتساؤل: هل نحن أحرار في كتابة حكايتنا، أم أننا مجرد أبطال في رواية خُططت منذ البداية؟ هل لدينا القدرة على تغيير المسار، أم أننا مهما حاولنا لن نصل إلا إلى النهاية التي كُتبت لنا؟


ربما كل ما نستطيعه هو التعديل الطفيف، محاولة أن نجعل الحكاية المفروضة أقل إيلامًا، أن نبحث داخلها عن مساحات صغيرة من السعادة، أن نسرق لحظات من الحلم ونزرعها في الواقع، أن نُمسك ببعض التفاصيل التي تجعل هذه الرحلة أكثر احتمالًا. فالحقيقة أننا لا نعيش الحكاية التي نريدها، ولكننا نحاول أن نجد لأنفسنا دورًا يليق بنا في الحكاية التي فُرضت علينا.


ومع الوقت، نفهم أن الحكايتين ليستا منفصلتين كما كنا نظن. الحكاية التي نحلم بها تستمد قوتها من الحكاية التي نعيشها، والأخيرة تصبح أكثر احتمالًا بفضل الأولى. نحن لسنا مجبرين على الاستسلام بالكامل، ولا نملك أيضًا حرية الاختيار المطلقة، نحن في المنتصف، نحاول أن نُوازن، أن نجعل الواقع أقل قسوة، وأن نجعل الحلم أقرب للحياة.


لكن السؤال الذي يبقى، هل سننجح يومًا في العيش كما نريد، أم أن الحياة ستبقى دائمًا خليطًا من الاثنين، بين ما فُرض وما تمنيّنا؟




Post a Comment

أحدث أقدم