وسائل التواصل الاجتماعي: تواصل بلا اجتماع

 


بقلم : د. مجدولين منصور

في عصر التكنولوجيا المتسارع، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وواتساب وانستغرام وغيرها، نوافذ مفتوحة على العالم، نطل من خلالها على أخبار الأصدقاء والأقارب، ونتبادل التهاني والتعازي، ونطّلع على كل صغيرة وكبيرة في حياة الآخرين. لكن، هل هذه الوسائل حققت لنا التواصل الحقيقي، أم أنها حولتنا إلى مجرد مشاهدين من وراء شاشات؟

في الماضي، كان التواصل يعني أكثر من مجرد كلمات مكتوبة أو رسائل سريعة. كان يعني الزيارات الودية، واللقاءات وجهًا لوجه، حيث نرى تعابير الوجوه، ونسمع نبرات الصوت، ونشعر بمشاعر الآخرين. كنا نذهب إلى البيوت لنشارك في الأفراح ونواسي في الأحزان، نقدم التهاني والتعازي بقلوب مفتوحة وأيدي ممتدة. أما اليوم، فقد تحول كل ذلك إلى رسائل مختصرة تُرسل عبر الشاشات، وكأننا نعيش في عالم افتراضي، نتواصل فيه بلا اجتماع، ونتقابل فيه بلا لقاء.

وسائل التواصل: جسر أم حاجز؟

لقد أصبحت عبارة "أرسلت له رسالة على فيسبوك" بديلًا عن الزيارة واللقاء. حتى التغيرات التي تطرأ على ملامح الأصدقاء والأقارب لم نعد نلاحظها إلا بالصدفة، عندما نلتقي بهم في الطريق، فنكتشف أن الوقت قد مرّ دون أن نشعر. لقد فقدنا الإحساس بالوقت والمكان، وأصبحنا نعيش في فقاعة افتراضية، نتواصل فيها مع العالم، لكننا نبتعد عن جوهر التواصل الإنساني.

هذه الوسائل، التي كان من المفترض أن تقرب المسافات، أصبحت في كثير من الأحيان حاجزًا يعزلنا عن بعضنا البعض. نعم، لقد سهّلت علينا معرفة أخبار العالم، وأصبحنا نعرف ما يحدث في أبعد بقاع الأرض، لكننا في المقابل فقدنا القدرة على التواصل الحقيقي مع من هم أقرب إلينا.

التواصل الحقيقي: ما الذي فقدناه؟

التواصل الحقيقي ليس مجرد تبادل للكلمات، بل هو تبادل للمشاعر، والاهتمام، والوقت. عندما نرسل رسالة تعزية أو تهنئة عبر الشاشة، فإننا نفقد جزءًا كبيرًا من الإحساس الإنساني الذي يجعل هذه الرسائل ذات معنى. فكيف يمكن أن نعبر عن تعازينا الحقيقية من خلال كلمات مكتوبة؟ وكيف يمكن أن نشارك الآخرين فرحتهم دون أن نراهم أو نسمع ضحكاتهم؟

لقد أصبحنا نعيش في عالم يفتقر إلى الدفء الإنساني، عالم نتواصل فيه بسرعة البرق، لكننا نفقد فيه الروابط العميقة التي تجمعنا. لقد تحولنا من مجتمع يعتمد على العلاقات المباشرة إلى مجتمع يعتمد على الرسائل النصية والتفاعلات الافتراضية.

هل يمكن استعادة التواصل الحقيقي؟

ربما يكون الحل في إيجاد توازن بين العالم الافتراضي والعالم الحقيقي. يمكننا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأدوات لتسهيل التواصل، لكن دون أن نسمح لها بأن تحل محل اللقاءات الحقيقية. فلنحرص على زيارة الأصدقاء والأقارب، ولنشاركهم لحظاتهم الخاصة، ولنعبر عن مشاعرنا بشكل مباشر.

في النهاية، التواصل الحقيقي هو ما يجعلنا بشرًا. فلنحافظ على هذه الروابط الإنسانية، ولنجعل من وسائل التواصل الاجتماعي جسرًا يعيدنا إلى بعضنا البعض، بدلًا من أن تكون حاجزًا يفصلنا.

الخلاصة: نحو تواصل إنساني حقيقي

وسائل التواصل الاجتماعي، رغم فوائدها الكثيرة، أصبحت في كثير من الأحيان وسائل "اجتماعية بلا تواصل". لقد قدمت لنا العالم على طبق من ذهب، لكنها في المقابل أخذت منا الدفء الإنساني والتفاعل الحقيقي. فلنستخدم هذه الوسائل بحكمة، ولنحرص على ألا تحل محل اللقاءات والزيارات التي تبقى جوهر التواصل الإنساني. فالتواصل الحقيقي ليس في الرسائل التي نرسلها، بل في اللحظات التي نعيشها معًا.


 


Post a Comment

أحدث أقدم