بقلم يوسف اليامي
رمضان ليس مجرد شهر يمر في التقويم بل هو تلك المساحة الزمنية التي تقتحم حياتك فجأة دون أن تطلبها فتجد نفسك في مواجهة غير متوقعة مع ذاتك مع عاداتك مع صبرك الذي كنت تظنه طويلًا لكنه يتقشر سريعًا أمام ساعة إضافية من الجوع مع قلبك الذي كنت تعتقد أنه ممتلئ لكنه يرتجف كلما جاء وقت الإفطار وكأنك طفل صغير يركض نحو حضن أمه مع عقلك الذي كان متخمًا بالأفكار لكنه فجأة يصبح أكثر خفة وأكثر نقاء كأن الجوع يغسله كما تفعل الأمطار بأرصفتها المتسخة رمضان هو أن تتباطأ رغمًا عنك أن تراقب الشمس وهي تصعد ببطء لا نهائي إلى منتصف السماء ثم تعود لتنسحب خلف الغروب كأنها تدعوك لأن تتحمل قليلًا لأن تثبت قليلًا لأن تفهم أن الضوء يأتي ويذهب لكنه لا يتركك تمامًا رمضان هو هذا الشعور المتكرر بأنك على وشك شيء لا تعرف كنهه أنك تقترب من شيء خفي ينساب داخلك مع كل رشفة ماء مع كل لقمة تتذوقها بعد يوم طويل رمضان هو هذه القدرة الغريبة التي تمنحك إياها الأيام لتشعر بالآخرين فجأة لتدرك معنى أن يكون شخص ما جائعًا طوال الوقت لا انتظارًا لأذان ولا طمعًا في أجر بل لأنه لا يملك شيئًا رمضان هو أن تتحول الأشياء الصغيرة إلى طقوس لها معنى أن يصبح كوب الماء حياة أن تصبح التمرة بداية جديدة أن يصبح صوت الأذان وعدًا لا يخلفه أحد رمضان هو أن تفكر أكثر مما تتكلم أن تصمت أكثر مما تعترض أن تراقب أكثر مما تشارك أن تعيد اكتشاف نفسك وأنت تحاول أن تعتاد هذا البطء الذي كنت تفر منه طوال العام رمضان هو هذه المسافة بين شوقك للأشياء وبين قدرتك على كبحها بين رغبتك في الامتلاء وبين اكتشافك أن النقصان أحيانًا أكثر راحة رمضان هو أن تتقشف في كل شيء إلا في إحساسك أن تمنح قلبك فرصة لأن يكون أكثر دفئًا أكثر خفة أكثر قدرة على المسامحة رمضان هو هذه العزلة التي تصبح مأهولة فجأة بشيء لا تستطيع أن تسميه لكنه يربت على كتفك في نهاية اليوم ويخبرك أنك ما زلت بخير
إرسال تعليق