غدير عبدالكريم العقيلي
وها أنا أُغلِقُ بابَ غُرفتي،
وأجثو على رُكبَتَيَّ، لعلِّي أجدُ حنانًا من الأرضِ يعتليني،
لعلَّ الأرضَ تَلينُ قليلًا، وتلتفُّ لِتَحضُنَني.
تتساقطُ دُموعي، ويستقبِلُها قاعُ غُرفتي بكُلِّ حُبّ.
بِتُّ أَنهارًا...
وحِبالُ صوتي باتت تَتمزَّقُ من قُوَّةِ صرخاتي،
ونِياطُ قلبي يتفتَّتُ من فَرْطِ ما أَشعُرُ به من حُزنٍ بالغ.
بَكيتُ كثيرًا،
وأُصِبتُ بالانهيارِ أكاليلَ،
أتجرَّعُ القلقَ والألمَ كُؤوسًا كثيرةً حتّى أصبحتُ ثملة،
كأسًا... يليهِ فَيْناتُه.
أشعرُ بأنَّ الأيامَ لَعِبَت لُعبتَها الأخيرة،
شَعرتُ بأنفاسِ الضحيةِ تتفاقمُ بداخلي،
إنّهُ القلقُ... يَضِجُّ بداخلي.
رَدَمتُ صوتَهُ... حتّى التَزَمتُ الصَّمت.
كان قلبي يَنزِفُ حتّى شَعرتُ في تلكَ اللحظةِ أنَّهُ أصبحَ جُثّةً هامدة،
حاولتُ أن أتقيَّأ دماءَه التي لَطَّخَت جوفي ببقاياه... ولم أستَطِع.
الضحيةُ في داخلي،
تَقتُلُ شيئًا عَميقًا في الرُّوحِ يصعبُ إدانتُه.
إنَّ بداخلي غَضبًا... يَكادُ يُحرِقُ مَملكةً بأكملِها.
ولم يَنتهِ الألم...
ها هو البُؤسُ واليأسُ يُحيطانِ بي،
أراهُ في كُلِّ زاوِيةٍ من غُرفتي،
بل أراهُ مُعلَّقًا في سقفِها،
ليس هناكَ مفرٌّ منه.
إنَّهُ غيابُها!!
غيابُها الذي باتَ يُؤرِّقُني...
وظَلَّتِ الأفكارُ تُتلاعَبُ بي كما يتلاعَبُ المدُّ والجَزْرُ في البحر.
وحينما قابلتُها... تجاهلتُها.
سألتني:
"كيف حالُكِ؟ هل أنتِ بخير؟"
أجَبتُها:
"...وكيف سأكونُ بخير، وأنتِ هو حالي وصَلاحي؟
كيف يكونُ حالي، وهو مُشتقٌّ منكِ أنتِ بذاتِك؟!"
شَرَدتُ حينها قليلًا،
ثم بكيتُ مرارًا وتِكرارًا... حتّى اسودَّت عَيناي.
لم يكن ألمُ غيابِها هو ما يُبكيني،
بل الفَراغُ الذي خلَّفتْهُ فيَّ من بعدها،
ذلك الفراغ... هو من أبكاني ألمًا.
إرسال تعليق