بقلم الكاتبة الصحفية/سهام فودة
بعض القلوب خُلقت واسعة، سخية، تُعطي بلا حساب، وتحب كأنها وحدها في هذا العالم من تملك القدرة على الاحتواء.
قلوب تعتقد أن العطاء يزيد المكانة، وأن التضحية تحفر الأثر في قلوب الآخرين، وتظن أن الحب وحده يكفي لصنع التقدير.
لكن الحقيقة الصادمة أن ليس كل من نُعطيهم يدركون ما قدّمنا، وليس كل من نُضحّي لأجلهم، يحتفظون بالفضل أو حتى يذكرونه.
... بداية طريق لا نهاية له"
عزيزتي من تختار أن تضحي مرة، غالبًا ما تُفتَح أمامها أبواب التضحية بلا نهاية.
ليست سذاجة ولا ضعفًا، بل فطرة نقية تشتهي الخير لغيرها كما لو كان لنفسها.
لكن التضحية، حين لا تُقابل باعتراف وامتنان، تتحول بمرور الوقت إلى قيد يثقل الروح، ووجع يُراكم الصمت والخذلان.
"حين يتحول العطاء إلى حق مكتسب"
عزيزتي العطاء بلا حدود يُفقد معناه
حين تكرّرين الدعم، والمساندة، والتواجد في كل وقت، يبدأ من أمامك في الاعتياد.
ثم لا يلبث أن يتعامل مع عطائك كأنه من حقوقه، لا فضلاً منك.
بل وربما يُنكر أنك قدمت، أو يستهين بما بذلتِ، ويقابل عطائك بالجفاء، وكأن كل ما كان مجرد واجب... لا مشاعر ولا تضحيات.
تُهدر مشاعرك، ويُقلل من وقتك، وتُنسى جدعنتك، وتُقابلين – بكل قسوة – بنكران كامل للجميل، بل وإساءة ممن وهبتِ له أجمل ما فيكِ.
وللأسف "حين تحتاجين... يتوارى الجميع"
الألم الحقيقي لا يكون في لحظة العطاء، بل في لحظة الحاجة.
عندما تتهاوين، وتبحثين عن كتف يشبه ذاك الذي كنتِه لهم، فتجدي الهواء مكانه.
تكتشفين أن كل من استندوا إليكِ، لا يتقنون فن المساندة.
يسهل عليهم الغياب، وتبدو مشكلتك بالنسبة لهم عبئًا، وكأنك لا يحق لكِ أن تضعفي، أو تطلبي، أو تحتاجي.
تُقابلين بالخذلان، لا لأنك أخطأتِ، بل لأنك أحسنتِ أكثر مما ينبغي.
"مش أنانية... ده وعي"
عزيزتي ... أن تضعي حدًا لعطائك، لا يعني أنك أنانية.
أن تطالبي بالتقدير، لا يعني أنك تنتظرين المقابل.
الوعي هو أن تُدركي متى تعطي، ولمن تعطي، وكم تعطي دون أن تنسي نفسك.
الوعي هو أن تفهمي أن العلاقات لا تُبنى على طرف واحد يُعطي، وطرف آخر يستقبل بصمت وبلادة.
"المعادلة الأصدق: ريّحني وأريحك"
الحب مشاعر... لكن العلاقات شراكة.
شراكة تقوم على تبادل، على توازن بين أخذٍ وعطاء.
ما من علاقة ناجحة تعيش على عطاءٍ من طرف واحد.
وما من حب صادق ينمو في أرض الإنهاك والتجاهل.
"ريحني وأريحك" ليست معادلة مادية، بل إنسانية، عنوانها: أنا أراك، فهل تراني؟
وأخيراً عزيزتي اختاري قلبك أولًا"
امنحي، وكوني كريمة، وساندي، لكن لا تنسي نفسك في الزحام.
احترمي قلبك، ووقتك، ودمعتك، وقوتك التي بذلتِها.
ولا تنتظري ممن لم يُقدّر أن يمنحك شيئًا... لأن من لا يرى قيمتك من البداية، لن يراها بعد كل ما قدّمتِه.
واختاري دائمًا أن تكوني لنفسك... قبل أن تكوني لأحد.
إرسال تعليق