عبدالله عنان
كانت الليلة طويلة، ثقيلة على الوقت، لكنها خفيفة على القلب. كنت جالسًا وحدي في مكان عملي في شرعب، لا أحد غيري، ولا شيء حولي سوى الصمت، والضوء الباهت الذي يتسلل من مصباح معلق على الجدار، يُلقي بنوره على الأرض وكأنه يعتذر عن التأخر.الساعة تقترب من الثانية فجرًا، والكون كله يبدو نائمًا. لكن شرعب؟ لا، شرعب لا تنام… هي فقط تصمت. تصمت لتسمع صوت نفسها، وصوت من يعرف كيف ينصت لها. جلست أرقب المكان، لا من باب الملل، بل من باب الدهشة؛ شرعب في هذا الوقت كأنها لوحة رسمتها يد خفية، لا تخلو من الحزن، لكنها ممتلئة بالجمال.
كل شيء فيها يبدو بسيطًا، لكنه لا يُنسى: الهواء البارد النقي الذي ينساب على الجلد كأنه يد تربّت على روحك، ورائحة التراب المبلل بندى الفجر، والجبال الصامتة المحيطة وكأنها حُرّاس الليل، تراقب كل شيء بصمت الملوك.
في هذا الوقت تحديدًا، تصبح شرعب مدينة للأرواح اليقظة… أولئك الذين لم يغلبهم النوم، لا لأنهم لا يريدونه، بل لأن قلوبهم تشتاق للهدوء، للصدق، ولحوار خالٍ من المجاملات مع الحياة.
نظرت إلى السماء، فرأيت النجوم كما لم أرها من قبل، صافية، قريبة، كأنها وُضعت هناك لتقول لي: "انظر… ما زال هناك جمال، رغم كل شيء." لا ضجيج، لا أصوات سيارات، لا عراك أطفال في الأزقة، فقط أنا وشرعب… واللحظة التي بدت وكأنها أُخذت من فيلم لا يُعرض إلا مرّة واحدة.
هذه المدينة ليست فقط مكانًا على الخريطة. شرعب، في عمق الليل، تتحول إلى روح… إلى أنثى هادئة تجلس على طرف الجبل، تنظر إليك وتبتسم، كأنها تفهم كل ما مررت به دون أن تسأل شيئًا.
وفي يومٍ ما بعد منتصف الليل، وأنا في قلب شرعب، أدركت أن الجمال لا يحتاج إلى ضوء، بل إلى عين تبصر، وقلب يشعر. وأدركت أيضًا أن هناك مدنًا لا تحتاج إلى ضجيج لتقول لك: "أنت لست وحدك."
إرسال تعليق