لست سيدة أقداري

 




بقلم/نورهان فؤاد 

أمشي بين عالمين، أحدهما معتم والآخر تشع منه الأنوار، لكني أشعر بقيود تقودني فيهما، فأنا يا سادة لست مخيرة بين هذين العالمين بل مسيرة.

أمشي على حافة هاويةٍ لا أرى لها قراراً، في دربٍ ضبابيٍ مسكونٍ بالضياع. أقدامي، رغم ثقلها، لا تنفك تتحرك، وكأنها تسير في حلقة مفرغة، لا أمل في نهايتها. ما جدوى السير إذا كنتُ أعلم مسبقًا أنني لن أبلغ نهاية هذا الطريق المظلم؟ ما جدوى الضوء إذا كان يعمي عيني عن الحقيقة التي أهرب منها، بينما يجذبني إلى نفس الهاوية التي كنتُ أظن أنني قد ابتعدت عنها؟

أمشي، لا لشيء سوى لأنني لا أملك خيارًا.

ما بين الظلام والنور، أجد نفسي تائهة، تلامس قدماي الأرض الجافة، التي لا تجود إلا بالألم. في الظلام، لا أجد سوى الكآبة التي تنغرس في أعماقي، كجذور شجرةٍ ميتةٍ تعمق نفسها في تربة من اليأس. والأضواء التي تلمع أمامي هي كأمواجٍ تبتلع كل بارقة أمل تحاول أن تضيء لي الطريق. تلك الأنوار، التي يظنها الجميع راحة، لا تكاد تلمس قلبي، بل تزيده تقلبًا. هي كالمرايا، تعكس صورتي المشوهة، وتعيد لي أصداء وحدتي التي لا تنتهي.

أمشي بين عالمين كأنني ريحٌ عابرة.

في الظلام، تجدني تلك الأرواح الضائعة التي تعيش على هامش الوجود، لا تملك من أمرها شيئًا. كلما حاولت أن أستجمع شجاعتي لأبصر طريقًا آخر، أفاجأ بأن الظلال تلاحقني كما لو كانت جزءًا مني. وحينما ألتفت إلى النور، أتساءل، هل هو نور حقًا؟ أم أنه مجرد سراب يسحبني إلى مزيد من الخوف؟ النور الذي يقترب مني يتراءى وكأنه يبتعد، يغريني بخداعٍ أكبر. وهكذا أنا، أبقى في مكانٍ ضائع، بين الظلام والنور، بين الحياة والموت، بين الأمل واليأس.

أمشي بين عالمين، لا أستطيع الهروب من أحدهما.

في اللحظات التي أظن فيها أنني أستطيع أن أهرب من الظلام، أجد نفسي تائهة في النور، متخبطة بين بريقه الزائف. وحينما أظن أنني قد أفلحت في الهروب من شبح النور، ينقض عليّ الظلام وكأنه كابوسٌ يلاحقني بلا رحمة. وكأنني أسير في دائرةٍ مغلقة، لا تفضي إلى شيء سوى مزيدٍ من الارتباك والضياع.

أحيانًا، أتساءل: ماذا لو توقفت؟ ماذا لو تجرأت على الانسحاب من هذه اللعبة القاسية؟ لكن حتى التفكير في التوقف يبدو مستحيلًا، إذ أن كل لحظة تمر بي تؤكد لي أنني مجرد جزءٍ من حكايةٍ لا أستطيع تغيير فصولها، قصة لا أملك أن أكتب لها نهاية. أظن أحيانًا أنني فقدت حريتي في اختيار مسيري. وكلما حاولت أن أتمرد على هذا القدر، زادت القيود التي تربطني به. مثل خيطٍ رفيعٍ تمسكه يدٌ غامضة، تقودني حيثما تريد.

لا عودة إلى الوراء.

لا أستطيع العودة إلى البداية، ولا أستطيع التوقف في منتصف الطريق. وكأنني أُجبرت على السير في هذا الممر الضيق الذي يفضي إلى المجهول. ربما في اللحظة التي أتوقف فيها، أذبل كأوراق الشجر في الخريف، يتلاشى وجودي كما يتلاشى الضوء في عمق الليل. وربما إذا استمريت في السير، سأظل أرتطم بالجدران، وأظل أبحث عن مخرجٍ لا وجود له.

أمشي، فقط لأنني لا أملك أي خيار آخر.

وأنا بين هذين العالمين، أبحث عن نفسي وسط الضياع. ربما أكون هناك، حيث لا أستطيع أن أرى أو أسمع، أتحسس خطواتي في الظلام، ولكنني لا أجد لي أثرًا. وكلما اقتربت من النور، تراجعت عنه، فقد اكتشفت أنه مجرد خيطٍ رقيقٍ يهددني بالسقوط في هاويةٍ أعمق. أنا أسير، وأسير، في دوامةٍ لا تنتهي، لا أملك القوة للخروج منها.

أمشي بين عالمين، ظلامٌ ونورٌ، أحاول أن أختار، لكنني لا أستطيع.

بينهما، أعيش كظلٍ ضائع، لا هوية له، لا معنى لوجوده. سائر في عالمٍ يقتله الزمن، بين ضوءٍ يخدعني وظلامٍ يبتلعني. أبحث عن مخرجٍ، ولكن كل طريق يؤدي إلى نفس المكان، إلى نفس السراب. وفي النهاية، أمشي فقط، حتى أندثر في هذا الوجود البائس.




الأمارات العربية المتحدة 🇦🇪

Post a Comment

أحدث أقدم