بقلم د. مجدولين منصور
في كل ندوةٍ تُقام، وكل دورةٍ تُعلن، وكل محاضرةٍ تُلقى، نُمنّى بأحلامٍ زاهية عن بيئة تعليمية مثالية، يُقال فيها: "هكذا يجب أن تكون مدارسنا، هكذا يُصنع التعلّم!" غير أن هذا الحُلم المعلّق في سماء التمنيات، ما يلبث أن يُسجَن في قفص الواقع حين يُحمّل على كتف واحدة… كتف المعلم.
وكأن المعلم قد خُلق من نورٍ لا يعتريه تعب، أو أنه كائن خارق لا ينهكه عبء، فكل المسؤوليات تتدحرج نحوه كما تتدحرج الصخور من أعالي الجبال. إن لم يُحسن الطالب الفهم، فالمعلم مُقصِّر. إن لم تُنجز الأهداف، فالمعلم مُتهاون. وإن فشلت المنظومة، فالمعلم هو المذنب الوحيد!
أين ذهبت أدوار الإدارات، والمناهج، والسياسات؟ أين دعم الأسر، وتوفير الإمكانات، وتهيئة بيئات التعلّم الداعمة؟ من قال إن البيئة التعليمية تُبنى بيد واحدة، أو تُروى بعرق شخصٍ واحد؟ وهل يصلح البناء بلا أساس، أو تُضيء الشمعة دون زيت؟
أحد أبرز التحديات التي تواجه المعلم، تلك الصلاحيات المقصوصة التي تكبّل يديه، ثم يُطلب منه أن يصنع المعجزات! فكيف يُبدع من لا يملك القرار؟ وكيف يُشكّل جيلاً من لا يُسمع صوته في صنع السياسات؟ المعلم ليس آلة تنفيذ، بل قلب نابض يحتاج إلى من يصغي له، ويؤمن بقدرته، ويمنحه أدوات الحُرية ليصنع الفارق.
البيئة التعليمية ليست مجرد غرفة ومقاعد وكتاب. إنها منظومة تنمو كالشجرة: بجذور في الإدارة، وجذع في السياسات، وأغصان من الدعم الأسري والمجتمعي، وأوراق خضراء هم المعلمون، يلتقطون الضوء ليصنعوا الحياة. فإن أهملنا أي جزء، ذبلت الشجرة وذوت.
الحل لا يكمن في جلد المعلم، بل في احتضانه. لا في إلقاء اللوم، بل في توزيع الدور. فالبيئة التعليمية الحقيقية ليست خيالًا، لكنها أيضًا ليست وهمًا يتحمّله فردٌ واحد.
في النهاية، يبقى السؤال: متى ندرك أن البيئة المثالية لا تُبنى بالشعارات، بل بالشراكات؟
إرسال تعليق