بدايات لا تبدأ من القهوة

 


مهندسة شهد القاضي 


في كل صباح، أبدأ يومي كغيري، بفنجان قهوة يحمل دفء اللحظة وسكون البدايات.. هذه العادة البسيطة تمنحنا شعورًا زائفًا بأننا نتحكم في تفاصيل يومنا، وكأن لحظة الصباح هي أول خيط في حكاية اليوم.. غير أن الواقع – حين نمعن النظر – يخبرنا بعكس ذلك تمامًا.


فليست كل البدايات كما تبدو، وليست كل القصص تبدأ حين نقرر نحن ذلك.


كثيرون يرون أن ما يحدث اليوم من أحداث مأساوية، وصراعات إنسانية، قد بدأ في يوم معين، في تاريخ محدد، كـ 7 أكتوبر مثلاً.. ويُبنى على هذه الفرضية سردٌ كامل يربط الأسباب بالنتائج، والمواقف بالتحولات.. ولكن، حين نرجع إلى الجذور، ندرك أن ما نعيشه ليس وليد لحظة، بل هو امتداد لتاريخ طويل من الصراع الأعمق.


إن ما يحدث اليوم ليس إلا فصلًا جديدًا من معركة بدأت قبل أكثر من 1446 عامًا، منذ اللحظة التي ظهر فيها الإسلام كنور هزّ أركان الظلمة، وبدأ بإحداث تغيير جذري في ميزان البشرية.. منذ ذلك الإعلان السماوي عن الحق، والباطل لم يتوقف عن الهجوم.. كل من حمل هذا النور، أو سار في دربه، كان هدفًا لمحاولات الإطفاء والتشويه والطمس.


المعركة لم تكن يومًا فقط معارك عسكرية أو مواجهات سياسية، بل كانت – ولا تزال – صراعًا وجوديًا بين النور والظلام، بين ما يُراد للناس أن ينسوه، وبين ما يجب أن يبقى في الذاكرة والوجدان.


ما يحدث اليوم، من محاولات لإلغاء الهوية، لتزييف الوعي، لتجريدنا من قناعاتنا، ليس جديدًا.. هو امتداد لذلك الصراع الطويل، ولكن بأدوات جديدة، وشعارات مختلفة.


ومن هنا، فإن اختزال ما يجري في تاريخ معين أو حدث واحد، هو اختزال مخلّ، يغيّب الحقيقة الأعمق: أن الحرب على هذا الدين، وعلى هذا النور، بدأت منذ أن بزغ فجره، وأنها ما زالت قائمة، بل تزداد ضراوة كلما اشتد النور.


فبينما يحتسي البعض قهوتهم منشغلين بتفاصيل اليوم، هناك من لا يزال يحمل شعلة التاريخ، يرفض أن ينسى متى بدأت الحكاية، ويوقن أن النهاية لم تكتب بعد.

Post a Comment

أحدث أقدم