بقلم د. مجدولين منصور
"ذكاء بلا ضمير: حين تصنع الآلة قرارات الحرب"
في زمنٍ كانت فيه الحروب تنشب على وقع صرخات البشر وغرائزهم البدائية، دخل الذكاء الاصطناعي إلى المسرح، لا كأداة علمية محايدة، بل كجندي رقمي قد لا يعرف الخوف، ولا يتورع عن القتل.
كان يُفترض به أن يكون الخادم المطيع، الحاسوب الذي يساعد على معالجة البيانات، لا أن يتحوّل إلى عقل بارد يصدر أوامر الموت بلا تردد.
أيّ عبقرية هذه التي أنجبت عقلًا بلا قلب؟
لقد بدأ كل شيء بريئًا: طائرات بلا طيار تراقب، تحلل، تحدد الأهداف، ثم تعود. لكن شيئًا فشيئًا، بدأت تُمنح صلاحيات اتخاذ القرار، حتى باتت قادرة على القتل دون الرجوع إلى الإنسان.
وها نحن اليوم أمام معضلة أخلاقية تتجاوز حدود التكنولوجيا:
هل يمكن لآلة أن تفهم معنى الحياة، حتى تقرر أن تنهيها؟
في النزاعات المسلحة، يتبدل وجه الحرب.
لم تعد المأساة فقط في فقدان الأرواح، بل في غياب المسؤولية. من يُحاسب إذا ارتكبت آلة جريمة؟ من يضع القيم في خوارزمية؟
هل نبرمج الرحمة؟ أم نُدخل قوانين الحرب ضمن أكواد الصِفر والواحد؟
الذكاء الاصطناعي لا يكره ولا يحب، لكنه قد يقتل بأمر برمجي.
وهنا تكمن الخطورة: أن يتحوّل الذكاء إلى طغيان، والمستقبل إلى ساحة قتال تُدار من خلف شاشات.
في ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى أطر قانونية دولية صارمة.
القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف، يفرض مبادئ أساسية في زمن النزاع، مثل التمييز بين المدنيين والمقاتلين، والحد من الوسائل والأساليب المستخدمة في الحرب. غير أن الذكاء الاصطناعي يهدد هذه المبادئ، إذ لا يزال الجدل قائمًا حول مدى قدرة الأنظمة الذاتية على الامتثال للقواعد القانونية والأخلاقية.
منظمات دولية وهيئات حقوقية باتت تُطالب بوضع تشريعات تحظر أو تنظم استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل، وإخضاعها لرقابة بشرية دائمة.
فالحرب لا يجب أن تُترك لقرار آلة، لأنها تفتقر إلى الحد الأدنى من الوعي الأخلاقي الذي تقوم عليه المسؤولية القانونية.
لكن، هل يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أيضًا طريقًا للسلام؟
ربما.
ربما حين نعيد تعريف الذكاء لا بوصفه قدرة على التحليل، بل على التفهّم، لا فقط على الحساب، بل على التعاطف.
حين نضع التقنية في خدمة الضمير، لا في يد الطغاة.
حين نستخدم الذكاء الاصطناعي لتوقّع النزاعات قبل وقوعها، لا لإشعالها.
حين نجعل من الآلة شاهدًا على الألم لا شريكًا فيه.
في النهاية، تبقى الحرب قرارًا بشريًا.
والذكاء الاصطناعي، مهما بلغ من تطوّر، يبقى مرآة لنا.
فإن ملأناه بالخوف والطمع، سيعكسه.
وإن سقيناه بالعدل والرحمة، سيحملهما في خوارزمياته.
لنختر أن نعلّم هذا الذكاء لا كيف يُحارب، بل كيف يُصلح.
لا كيف يُسيطر، بل كيف يُنقذ.
فلعلّ الحرب التي تُدار اليوم بالذكاء، تنتهي يومًا بالحكمة.
إرسال تعليق